تواجه الحكومة التايلاندية احتجاجات فى الشوارع طوال أسابيع، تكاد تعرض البلاد للشلل التام، خاصة مع تكدس المعتصمين من أصحاب «القمصان الحمراء» على الشوارع، الرئيسية فى العاصمة بانكوك، وعلى التقاطعات والميادين المهمة، وفى المناطق السياحية، وأحياء المال والأعمال، وأمام المراكز التجارية الضخمة. النشاط الاقتصادى فى تايلاند كله مهدد، وهذه الدولة تمتلك ثانى أكبر اقتصاد فى منطقة جنوب شرق آسيا، والمظاهرات والاحتجاجات مستمرة لأسابيع متواصلة، ولا يبدو أن المتظاهرين قد فتر حماسهم أو ينوون التراجع عن مطالبهم التى تتمثل فى استقالة الحكومة التى جاءت بانتخابات «مشكوك فيها»، حسب المعتصمين، وإجراء انتخابات مبكرة. ماذا تفعل لو كنت رئيس وزراء تايلاند؟، أنا شخصياً بتكوينى العربى وثقافتى وخبراتى فى الحكم التى اكتسبتها من متابعة الحكام والحكومات فى المنطقة كنت سأجد نفسى أمام حل من اثنين، الأكثر مثالية فيهما، هو الاستجابة لمطالب المعتصمين، والدعوة لانتخابات مبكرة، لكن ذلك من المؤكد أنك تعرف أنه خيار مستبعد بالنسبة لأى مسؤول عربى، فالاستجابة لمطالب الجماهير ليست فى القواميس التى يتعلمونها ولا الأبجديات التى يلتزمون بها. بقى إذن أن أتصرف مثل أى حاكم عربى طبيعى جداً، أن أستشعر خطورة الموقف، وأن أطلق أبواقى للتحذير من مخاطر الشلل الاقتصادى الذى ضرب العاصمة، وأن أتهم المتظاهرين بمحاولة تقويض مكاسب الشعب والإضرار باقتصاده، وأن أعلن حالة الطوارئ، إن لم تكن معلنة ومفروضة بالفعل، وأن أكلف أجهزتى الأمنية بحماية مقدرات الأمة، وإخلاء العاصمة من المعتصمين فى ظرف 24 ساعة، وأنا طبعاً أعرف أنى أمتلك أجهزة أمنية قادرة على الإنجاز، وسجوناً مازالت لديها القدرة على مزيد من الاستيعاب، وقوانين ذات كفاءة لتضع نصف الشعب فى السجون، ووضع النصف الثانى فى دوائر الاشتباه. لكن رئيس الوزراء التايلاندى لم يفعل أياً مما سبق، لم يستجب للجماهير ويقدم استقالة حكومته، ولم يدع لانتخابات مبكرة، ولم يعلن الطوارئ ويمنح قوات الأمن الضوء الأخضر لتفريق المتظاهرين على الأقل حتى الآن لكن الرجل ببساطة لجأ إلى القضاء. تخيل أن رئيس الوزراء التايلاندى رفع دعوى قضائية أمام محكمة فى بانكوك، دعا خلالها القاضى إلى أن يأمر المتظاهرين بمغادرة أماكنهم، وطالب بحظر التظاهر فى 11 منطقة فى العاصمة، بين ميادين وشوارع رئيسية وتقاطعات ونواص، وطلب مذكرات لتوقيف من لا يمتثل لحكم القضاء. لكن المحكمة رفضت طلبه، ودعته إلى أن يتحمل مسؤولياته السياسية إذا أراد، ويستخدم القانون الطبيعى، وقال محامو المحتجين للقاضى: «ليس هناك قانون فى العالم يمنع الناس من المرور فى الشوارع!». لا أعرف ما سيقدم عليه الرجل لاحقاً، لكن ما يهمنى وأعتقد أنه يهمك، هو وضع ظل أحمر عريض جداً على الخبر، فكرة لجوئه للقضاء للحصول على إذن بتفريق المتظاهرين، وحدها تستحق اهتمامك، خاصة أنك تعيش فى كنف حكومات لا تنفذ أحكام القضاء أصلاً إذا صدرت، وعندما تقرر إغلاق صحيفة أو حل جمعية، أو حظر حزب، فإنها تفعل ذلك أولاً، وتترك المتضرر يلجأ للقضاء، ثم يلف حول نفسه لتنفيذ الحكم، فما بالك بتفريق المتظاهرين. قد يكون رئيس الوزراء مكروهاً لدى شعبه، لكن الشعب التايلاندى عليه أن يحمد الله كثيراً، أن رئيس حكومته ليست لديه علاقات وثيقة بأى حاكم عربى ففى تلك الحالات «البعد عن العرب» يكون غنيمة...! [email protected]