كان من المقرر أن يؤدى الدكتور محمد البرادعى صلاة الجمعة، أثناء زيارته لمدينة المنصورة فى مسجد الشيخ حسان، الذى يتسع لأكثر من ثلاثة آلاف شخص، غير أنه استبدل فى اللحظة الأخيرة بمسجد النور، الذى يتسع بالكاد لحوالى خمسمائة شخص فقط. وقيل فى تفسير هذا التغيير إنه تم بدافع الحرص على توفير حماية فعالة لشخص الدكتور البرادعى فى مكان يسهل تأمينه والسيطرة عليه! غير أن الأسباب الحقيقية لهذا التغيير ما لبثت أن تكشفت سريعاً أثناء الاستماع إلى خطبة الجمعة! فقد فوجئ المصلون بخطيب آخر هو الشيخ عبدالوهاب أبوالعمايم غير الخطيب المعتاد للمسجد، كما فوجئوا بتركيز الخطيب الجديد على أمور غير معتادة لفتت أنظار الجميع، أهمها: 1- دعوته المتكررة إلى «طاعة أولى الأمر الذين سخرهم الله لحكم الشعب لصالح الوطن»، مستشهدا فى ذلك بالآية الكريمة: «وأطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم». 2- حرصه الشديد على الإشادة بما قام به الرئيس حسنى مبارك فى خدمة الإسلام والمسلمين، مستدلاً على ذلك بأنه استطاع حسب قوله «أن يجعل من مدينة القاهرة مدينة لا تقل أهمية عن مكةالمكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف». 3- دعاؤه المتكرر للرئيس مبارك، أثناء الخطبة وفى ختامها، ليس فقط بالشفاء العاجل، وهو أمر لا غبار عليه، ولكن أيضا ب«استمرار رئاسته لمصر من أجل استمرار الأمن والأمان والاستقرار»، وهى وجهة نظر سياسية ليس من المستحب أن تصدر عن رجل دين فى خطبة جمعة. لقد بالغ خطيب المسجد فى التركيز على هذه المعانى وألح بالذات على «طاعة ولى الأمر» بطريقة أثارت استياء المصلين واستفزتهم إلى الدرجة التى دفعت العشرات منهم للخروج أثناء الخطبة والانتظار أمام المسجد حتى رفع أذان الإقامة قبل أن يعودوا لأداء الصلاة. وقد كشفت «المصرى اليوم» أن الأجهزة الأمنية استدعت هذا الخطيب خصيصاً وكلفته بإلقاء خطبة الجمعة أمام البرادعى بعد أن كان من المقرر أن يلقيها خطيب آخر!. (راجع «المصرى اليوم» 3/4/2010). ما يلفت الانتباه هنا أن سلوك الأجهزة الأمنية تناقض بشكل صارخ مع سياسة معلنة للدولة تدعو إلى الكف عن «توظيف الدين فى السياسة» وتلاحق جماعة الإخوان المسلمين بهذه التهمة. فما قامت به هذه الأجهزة، وبهذا الأسلوب الفج، ينزع المصداقية تماما عن نظام حكم، يبدو واضحا أنه ليس جادا فى دعوة لا غبار عليها شريطة أن تطبق بجدية وبحياد كامل على الجميع. غير أنه يبدو واضحا من تصرفات الأجهزة الأمنية أن المقصود من هذه الدعوة التمكين للنظام للسيطرة منفردا على الفضاء الدينى، وأن يحتكر لنفسه حق توظيف الدين فى السياسة باعتباره «ولى الأمر». وتلك تصرفات من شأنها أن تضعف كثيراً مما تبقى من مصداقية للمؤسسات الدينية الرسمية، بما فيها الأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف، وأن تفتح الباب واسعا لانتشار وتفشى الأفكار المتطرفة والتى سيدفع الوطن كله ثمنها غاليا.