طالعتنا صحف هذا الأسبوع بأخبار مفزعة عن سقوط شركة مصرية تستخدم كواجهة لبيع وتسجيل شقق سكنية وأراض فى سيناء إلى أجانب، من بينهم إسرائيليون، وأن عدد الشقق التى تم بيعها وتسجيلها بهذه الطريقة وصل ألف شقة، بينما وصلت مساحة الأراضى التى تم الاستيلاء عليها إلى 800 (نعم: ثمانمائة كيلو متر مربع وهو ما يعادل مساحة دويلة صغيرة). ووفقا لرواية الأستاذ حسنين كروم «راجع (المصرى اليوم) فى 31/3 ص15»، يبدو أن الصدفة وحدها هى التى تسببت فى كشف هذه العصابة بعد أن لاحظ أحد قضاة محكمة الإسماعيلية، أثناء قيامه بعملية تفتيش دورى روتينى، وجود أحكام صادرة عن محكمين دوليين. ولأنها أحكام غير قانونية فقد راح هذا القاضى يتتبع مسارها إلى أن أمسك ببداية خيط كشف عن جانب من نشاط هذه العصابة. وقد تزامن هذا الحادث مع شكوى قدمها أحد القضاة قال فيها إنه اكتشف عقب عودته من الخارج أن الشقة التى يملكها فى سيناء بيعت دون علمه، وبدأ تحقيقاً موسعاً يبدو أنه كشف عن تفاصيل أخرى لنشاط العصابة. لو كانت هذه الجريمة وقعت فى منطقة أخرى غير سيناء لأمكن تصنيفها كجريمة نصب واحتيال عادية، حتى ولو كانت تشى بحجم ما وصل إليه التسيب والإهمال فى بلادنا، أما أن تقع جريمة من هذا النوع فى منطقة بالغة الحساسية بالنسبة للأمن الوطنى كانت ولاتزال هدفا رئيسيا للأطماع الإسرائيلية، فهذا أمر يستوجب أن نتوقف عنده ولا ينبغى أن يمر هكذا. وقد سبق لنا ولكثيرين غيرنا أن نبهوا إلى خطورة المخططات الإسرائيلية على سيناء والتى ترى فيها امتدادا طبيعيا ومتنفسا لقطاع غزة المكتظ بالسكان وأحد الأماكن المحتملة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. ولأن أجهزة الأمن المصرية لا تحتاج على أى حال إلى من ينبهها إلى حقيقة وخطورة الأطماع الإسرائيلية فى سيناء، والتى تتطلب منها أن تكون دوما على أعلى درجات اليقظة والحذر، فمن الطبيعى أن تثار تساؤلات كثيرة عن أسباب القصور الأمنى الذى أدى إلى حدوث هذا الاختراق الخطير. فلا يحتاج الأمر إلى ذكاء من نوع خاص لندرك أن الأرجح أن تكون هذه الشركة إحدى الخلايا العاملة لحساب الموساد، خصوصا أن الصحف التى تناولت الموضوع كشفت عن أنه سبق للمصريين العاملين فيها أن قاموا بزيارات متعددة إلى إسرائيل. لذا أظن أنه لم يعد من الجائز، فى تقديرى، التعامل مع هذه القضية وكأنها قضية «إهمال» أو «تسيب» أو «فساد» من النوع الذى يمكن قبوله أو التعايش معه. فالإهمال والتسيب والفساد أنواع، ومنه ما يرتب آثارا لا تقل فى خطورتها عن الآثار التى قد تنجم عن جرائم الخيانة الوطنية. وحين أنظر إلى حال سيناء اليوم وأتساءل عن الأسباب التى أدت إلى تعثر مشاريع التنمية فيها على هذا النحو المذهل، رغم مرور 28 عاماً على تحريرها، لا أستطيع أن أقنع نفسى بأن الأمر يتعلق بحالة تسيب أو إهمال أو فساد عادية. فالحقيقة أنه أكبر من ذلك بكثير، وأخطر.