أعانى من قلق شديد على نفسى فى الفترة الأخيرة. بدأ الموضوع بكابوس حلمت فيه (خير اللهم اجعله خير) أننى رجل، أى والله رجل، ولم أكن رجلاً عادياً، بل كنت بحجم أبطال فيلم «أفاتار»: طويلة، أقصد طويل قوى، يمكنه بقبضة واحدة أن يطيح بالبشر صغار الجسد مثلنا، وكنت أسير فى شارع النيل فى العجوزة أدبّ الأرض بثقة وقوة. وعندما مرّ الميكروباص من جانبى ونفخ فى وجه الجميع هبابه الأسود، مددت يدى الطويلة ذات العضلات البارزة فأوقفت السيارة. فتحت بابها والسائق ينظر إلىّ مرتعشاً. قلت له بصوت حاسم «لو ما صلحتش شاكمان عربيتك سأصل بيدى إلى حيث أنت وأخنقك». قمت من نومى فزعة والعرق يتصبب منى. وفى كابوس آخر كنت أسداً، دخلت إلى الشهر العقارى (فرع المساحة) فخفتت ضوضاء المكان، وأفسح الجميع الطريق، وعندما اقتربت من الموظفة ابتسمت لى بلطف محاولة أن تخفى خوفها، وأنهت الورقة التى طلبتها فى ثوانٍ معدودة دون الحاجة أن ألف العشر لفات. خرجت إلى الشارع وزأرت زئيراً ارتج له شارع المساحة، ووصل صداه إلى ميدان التحرير فاهتزت الأشجار اليابسة وطارت العربات الصغيرة فى الشارع من مكانها. حاولت أن أفهم مغزى هذين الحلمين، فأنا لا أتمنى أن أكون رجلاً تنطلق فى أثره الجمعيات النسائية هاتفة «يسقط عدو المرأة»، ولا أرغب كذلك أن أكون أسداً خاصة فى ظل الزيادة الأخيرة فى أسعار اللحوم. من أين تأتى تلك الكوابيس وما العنصر المتكرر فى سلسلة أحلام الرعب هذه؟ أرقنى السؤال بضعة أيام إلى أن حدثت حكاية لإحدى صديقاتى فسرت لى ما أعانيه مؤخرا. صديقتى أستاذة جامعية تربية زمان، عذبة ورقيقة وطيبة وتفيض بالإنسانية. تسكن صديقتى للأسف فى حى المهندسين العامر، ورحلة عذابها اليومى لا تقتصر على القيادة فى «سيرك القاهرة الدولى»، ولكنها تتضمن كذلك سبع أو عشر لفات حول منزلها إلى أن يستجيب العزيز القيوم إلى دعواتها فتجد مكاناً لسيارتها. يوم الخميس الماضى، بينما هى فى اللفة الثانية لمحت مكاناً شاغراً فانطلقت نحوه. لاحظت صديقتى أن شخصاً يقف فى المكان وعندما لمحها تقترب قال إنه يحجز المكان لسيارة صديق سيأتى فى التو. تغلب الطبع الأصيل على صديقتى فعادت بسيارتها إلى الوراء، وبدأت اللفة الثالثة ثم الرابعة، ثم قررت أن تذهب لقضاء بعض حاجياتها وعادت بعد نصف الساعة، وكانت المفاجأة فى انتظارها.. لايزال صاحبنا يحجز المكان لصاحبه، وعندما صرخت فيه قال ببجاجة إن صديقه قد نزل للتو من بيته ولايزال فى الطريق، ولو الأمر لا يعجبها ف«أعلى ما فى خيلها تركبه»، هنا ودون تفكير اتجهت صديقتى بسيارتها نحو الرجل، دهسته، شدت الفرامل وهى تلملم كتبها من السيارة وتغلقها وتسرع إلى بيتها غير مصدقة ما فعلت للتو، وفى الخلفية تتردد شتائم الرجل الذى وقف من جديد متحسراً على المكان الضائع. أخبرتنى حكاية صديقتى وكوابيسى بأنه لكى أعيش فى مدينة الفوضى وأتعايش مع أخلاقيات الزحام لابد أن أكون رجلاً خارقاً أو أسداً، وبغض النظر عن رفضى أن أكون أيا من الاثنين فحتى لو أردت، لا سبيل إلى تحقيق المراد. ملحوظة: نقبل جميع المقترحات والتبرعات والعلاجات النفسية، شرط أن تكون مجانية نظراً للفلس.