هل من واجب الفقه أن يعِّلب الحياة ويحنط السلوك ويجمد المعرفة الإنسانية ويكرس التقليد ويقتل روح الاجتهاد؟، هل مسؤولية الفقيه أن يجعل المجتمع يتنفس برئة واحدة هى رئة الرجل فقط، وأن يخلق منه مجتمعاً بنصف لسان ونصف عقل ونصف روح؟!، أعتقد أنكم جميعاً تستنكرون هذه الوظيفة الفقهية وتربأون بالدين أن يستخدم كأداة لترويج هذه المفاهيم التى تجعل من المرأة جارية عالية الجودة، وأَمَة مطابقة للمواصفات القياسية، وماكينة تناسل حاصلة على درجة الأيزو!، ولذلك لابد من إعادة النظر فى مفهوم قوامة الرجل على المرأة الذى استخدمه الرجل أسوأ استخدام ليوظف النصوص الإلهية لصالح مكسب مؤقت وانتصار زائف، أو بعبارة أخرى استخدام المقدس لترسيخ المكتسب فجعل من الشىء النسبى وهو سيادة الرجل فى زمن وبيئة معينين حقاً مطلقاً أبدياً سرمدياً. «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، إذا قرأنا هذه الآية بمعزل عن الظروف الموضوعية التى كانت تحكم المرأة فى الجزيرة العربية حينذاك فإنها تصبح قراءة مبتسرة ومبتورة بل مغلوطة، نحن نعترف بأن الوحى الإلهى مطلق، ولكننا لابد أن نعترف أيضاً بأن الفهم البشرى الذى يفهم ويمر من خلاله تفسير هذا الوحى محدود بطبيعته وبإطاره التاريخى، ويحكمه قانون التطور، فمفهوم الملكية فى العلاقة الزوجية كان مقبولاً من 1400 سنة، ولكنه غير مقبول الآن، ومفهوم ملكية واقتناء المرأة العربية موجود ومتداول منذ قديم الأزل ودائماً كان شراء العبد أو الخادم مقترناً فى أدبيات الفقه ومعطوفاً على رواج المرأة ففى سنن أبى داوود على سبيل المثال نقرأ قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل اللهم إنى أسألك خيرها.. إلخ وإذا اشترى بعيراً فليأخذه بذروة سنامه.. إلخ»، وهذا التملك للأسف تحول من ظاهرة اجتماعية مؤقتة إلى جزء حيوى وأساسى من العبادة، ولو نظرنا إلى وضع المرأة قبل الإسلام لوجدنا أن الإسلام دفعها خطوة للأمام ولكننا نقع فى خطأ إذا اعتقدنا أن هذه الخطوة هى نهاية الطريق، فمن يفهم الإسلام على أنه دين ديناميكى يحترم التطور، لابد أن يحترم هذه النزعة التطورية التقدمية التى يهيل البعض عليها التراب بتعمد أحياناً، وعن جهل أحياناً أخرى، والغريب أن التفاسير القديمة تتفق على أن دونية المرأة العقلية شىء فطرى وهو ما رفضه ونفاه وكذبه العلم الحديث والواقع الفعلى الذى صعدت فيه المرأة وتبوأت مناصب ووظائف، ظهر فيها أن عقلها لا يقل عن عقل الرجل رجاحة وذكاء ومواجهة ومرونة، فيقول ابن كثير فى مجلده الأول ص 491 عن هذه الآية « الرجل قيم على المرأة أى هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.. فالرجل أفضل من المرأة فى نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيماً عليها»، وعلى خطى بن كثير سار الكثير ممن قدسوا هذه التفسيرات التى لاقت هوى فى أنفسهم.