تحدى سعد زغلول الإنذار العسكرى ليس فقط بشجب الحماية البريطانية ووصفها بأنها غير مشروعة بل وصف التصرفات الإنجليزية بأنها تثير سخط العالم المتمدن، وكان على إنجلترا أن تتحرك بسرعة إذا أرادت ألا تمتهن أكثر من ذلك فلم يحتج الأمر سوى اعتقال سعد زغلول، ونحن نستطيع أن نفهم لماذا اختير اثنان من ثلاثة كان لهما شرف الاعتقال والسجن مع سعد أولهما حمد باشا الباسل، فالإنجليز لا يمكن أن يغفروا له أنه كان أول من فتح بيته لعقد اجتماع عام خطب فيه سعد زغلول متحديا الإنجليز ومن ناحية أخرى فقد كان زعيما بدويا ولما كان البدو يشكلون القوة المسلحة فإن أى محاولة للإرهاب يجب أن تبدأ من هذه الناحية، أما ثانى الرجلين الذى لا يشكل تفسير اختياره للاعتقال مع سعد زغلول أى صعوبة فهو محمد باشا محمود فقد أجمعت روايات المتحدثين عن هذه الفترة على أنه كان أنشط عناصر الوفد. ودلت الأعمال بعد ذلك على أنه كان كذلك إذ عهد له الوفد دون غيره بالسفر إلى أمريكا للدعاية للقضية المصرية، ومن ناحية أخرى فلابد أن إنجلترا هذا الزمان كانت تعتبره جاحداً لأفضالها فهو ابن رجلهم محمود باشا سليمان فى مصر وهو خريج أعظم جامعات لندن وقد عينوه رغم صغر سنه مديراً للبحيرة ومنح رتبة الباشوية فكيف يكون هو «الدينامو» المحرك خلف الجهود التى تحاول النيل من سلطان الإنجليز فى مصر، فهذه مسألة لا يمكن أن تغتفر. وهكذا نستطيع أن نفهم لماذا اختير محمد محمود وحمد الباسل ولكنا نعترف أننا لم نفهم سر اختيار إسماعيل صدقى، وقد ألقى القبض على الرجال الأربعة عصر يوم 8 مارس وسيقوا إلى ثكنات قصر النيل معسكر جيش الاحتلال وقضوا به الليل وفى الساعة الحادية عشرة من اليوم التالى 9 مارس نقلوا بالقطار إلى بورسعيد ومن هناك أقلتهم إحدى البواخر إلى جزيرة مالطة التى اختيرت لتكون منفى لهم، وهكذا وقعت القارعة التى كان يتمناها سعد زغلول ولكن الشىء المحقق أنه لم يكن يتصور أو يطوف له فى خيال أنها ستكون بهذا المدى وبهذه السرعة ومن هنا فنحن نصدق ما قيل عن أن تعليق سعد زغلول على نبأ طالعه فيما بعد فى جريدة المقطم يشير إلى وقوع مظاهرات فكان تعليقه على ما روى محمد محمود فيما بعد أن هذا الخبر نشر عمداً لتبرير استمرار اعتقال سعد ومن معه (محمد محمود باشا وحمد الباسل باشا واسماعيل صدقى باشا) وزجوهم فى قصر النيل ثم سيق بهم إلى بورسعيد توطئة لنفيهم لتندلع أولى شرارات الثورة.