الجامعة الألمانية: العاصمة الإدارية إنجازًا دوليًا مذهلًا بمجال التخطيط والإنشاءات    رئيس جامعة القاهرة يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد الجامعات المتوسطية UNIMED    «الحوار الوطنى» يعقد جلسة عاجلة السبت لتعزيز الأمن القومى    إبراهيم عبد الرزاق عميدًا لكلية التربية للطفولة المبكرة    البابا تواضروس: نصر أكتوبر صفحة بيضاء في تاريخ العسكرية المصرية ونشكر الله على سلام بلادنا    خبير: مكاسب الذهب بلغت 5.5% عالميا خلال شهر واحد    التعليم المستمر بجامعة النيل تحتفل بتخرج دفعة من برامج الأنشطة الصيفية للشباب    أمريكا تفرض عقوبات على كيانات وفرد يعملون لصالح الحوثيين    نهاية الشوط الأول| تعادل سلبي بين بايرن ميونخ وأستون فيلا    سقوط «دجال» أوهم المواطنين بالعلاج الروحاني في الدقهلية    انطلاق فعاليات مهرجان ظفار الدولي للمسرح بصلالة    «برغم القانون» الحلقة ال13.. القبض على إيمان العاصي    بعد إعلان اعتزالها، منى جبر: "لو اتعرض عليا مال الدنيا مش هرجع للفن تاني"    6 نصائح اتبعيها مع طفلك قبل دخول الشتاء لحمايته من الأمراض فى المدارس    تنظيم ورشة عمل مهنية للترويح للسياحة المصرية بالسوق التركي    نائب محافظ القليوبية تشن حملة إزالة إشغالات أعلى الطريق الدائري    تجديد حبس المتهمين فى فبركة سحر مؤمن زكريا    إصابه 4 أشخاص جراء انقلاب سيارة في المنوفية    العراق يستقبل 5 آلاف لبناني خلال 10 أيام    بيان من معهد الفلك بشأن هزة أرضية جنوب شرق القاهرة    تفاصيل إنشاء أول منصة متكاملة لبيع وشراء السيارات إلكترونيًا    وزارة الثقافة تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة الأحد المقبل    أمين الفتوى يحذر الأزواج من الاستدانة لتلبية رغبات الزوجة غير الضرورية    أمين الفتوى: مفهوم الاحتياج نسبي وهذا هو الفرق بين الحرص والبخل    خبر في الجول - إيقاف الإسماعيلي عن القيد حتى نهاية الموسم    الكشف على 1025 حالة ضمن قافلة طبية في الفيوم    في مؤتمر صحفي.. استادات تعلن التوسع في استخدام أحدث التقنيات والذكاء الاصطناعي في قطاع الرياضة    إسعاد يونس تكشف موعد اعتزالها التمثيل |فيديو    للمرة الأولى ب«الصحفيين».. العرض العام الأول للفيلم الوثائقي الدرامي «ممر الألم»    ظهرت جنوب تشيلي وفي البرازيل.. مشاهد ترصد الكسوف الحلقي للشمس    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    الإفتاء: الجمعة أول شهر ربيع الآخر لعام 1446ه‍    «البحوث الإسلامية»: 35 قافلة نفذت 25 ألف لقاء دعويا    واشنطن تدعم دور المغرب في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط    10 صور ترصد بطولات شيكابالا مع الزمالك    كوريا الجنوبية واليابان تتفقان على تنسيق الاستجابة تجاه «استفزازات» كوريا الشمالية    مصطفى الفقي: علاقة مصر مع إيران وإسرائيل وحزب الله تحتاج مراجعة    «وما النصر إلا من عند الله».. موضوع خطبة الجمعة المقبل    بيلد: أديمي الخيار الأول لخلافة محمد صلاح في ليفربول    معارض الحضارة المصرية في الخارج تجذب 625 ألف زائر    ارتفاع حصيلة القتلى في استهداف إسرائيلي لمبنى سكني بدمشق إلى 3 أشخاص    قافلة تنموية شاملة لجامعة الفيوم توقع الكشف على 1025 مريضا بقرية ترسا    تغيير كبير.. أرباح جوجل بالعملة المصرية فقط    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    البورصة المصرية تتحول إلى تحقيق خسائر بعد اتجاهها الصاعد في الجلسات الأخيرة    عالم أزهري: 4 أمور تحصنك من «الشيطان والسحر»    تفاصيل زيارة أحمد فتوح لأسرة المجنى عليه.. وعدوه بالعفو عنه دون مقابل    قرار قضائي جديد ضد المتهمين في واقعة «سحر مؤمن زكريا»    200 مليون جنيه لحل أزمة زيزو.. وجوميز يرفض مصطفى أشرف    قافلة طبية في قرية الشيخ حسن بالمنيا ضمن مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    منح الرخصة الذهبية للشركة المصرية للأملاح والمعادن بالفيوم «أميسال»    أستاذ جامعي: شمولية «حياة كريمة» سببا في توفير مناخ جاذب للاستثمار    «بونبوناية السينما المصرية».. ناقد: مديحة سالم تركت الجامعة من أجل الفن    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    وزير الري يلتقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقات الدراجات النارية بالمنيا    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنهم يشيّدون «الخراب» ويدمّرون «السلام»

تعيد إسرائيل فى هذه الأيام بناء كنيس قديم خرب اسمه «الخرابة»، وهو اسم على مسمى، إلى الحياة من جديد، ويقع هذا الكنيس على بعد أمتار من المسجد الأقصى -الذى باركنا حوله- الذى تخطط إسرائيل لهدمه من كل ناحية، من أسفله ومن حوله لكى تزيله من الوجود، ولكى تعيد بناء الهيكل للمرة الثالثة، حيث تقول أساطيرهم التوراتية إن هيكل سليمان كان مقاماً فى مكان ما من المسجد الأقصى، وإنهم يواصلون الحفريات التى تحدد لهم مكان الهيكل تحديداً لا خطأ فيه!
وأمامى هذه الأيام كتاب كتبه اثنان من علماء التاريخ والآثار اليهود، أولهما هو الأستاذ الدكتور إسرائيل فنكلشتاين، رئيس قسم علم الآثار فى جامعة تل أبيب، والثانى هو المؤرخ والباحث الأمريكى اليهودى نيل إشر سيلبرفان، والكتاب اسمه الذى لا يخلو من دلالة «التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها: رؤية جديدة لإسرائيل القديمة وأصول نصوصها المقدسة على ضوء اكتشافات علم الآثار (The Bible Unearthed) والكتاب دراسة علمية جادة أجراها يهوديان يؤمنان بيهوديتهما، ومع ذلك فهما يقرران بوضوح فى نهاية التمهيد للكتاب «هدفنا -من الكتاب- هو محاولة فصل التاريخ الواقعى عن الأسطورة».
ويقولان «إن العديد من أحداث التاريخ التوراتى لم تحدث لا فى المكان ولا بالطريقة والأوصاف التى رويت فى الكتاب المقدس العبرى، بل بعض أشهر الحوادث فى الكتاب المقدس العبرى لم تحدث مطلقاً أصلاً (ص 28 من الكتاب)، ويقولان فى (ص 38) من الكتاب نفسه: «أصبح الكل يجمع على أن الأسفار الخمسة (التوراة) ليست تأليفاً فردياً واحداً، بل تجميع وترقيع لمصادر مختلفة كل منها كتب تحت ظروف تاريخية مختلفة لإبداء وجهات نظر دينية أو سياسية مختلفة».
وفى آخر هذا الكتاب الخطير والعلمى (ص 403) جاءت العبارة التالية: «إن الكتاب المقدس يتضمن مواد تاريخية، وغير تاريخية، وشبه تاريخية، تظهر أحياناً قريبة جداً من إحداها الأخرى فى النص. إن أساس جوهر العلم بالكتاب المقدس العبرى هو أن نفصل الأجزاء التاريخية عن بقية النص طبقاً لاعتبارات أدبية، ولغوية، ومعلومات تاريخية من خارج الكتاب المقدس، لذا، نعم، يمكن أن نشكك فى الصفة التاريخية لآية، وأن نقبل بصحة آية أخرى».
وهذا كله يدل على أن التوراة الموجودة حالياً بيد اليهود صلتها محدودة جداً بوصايا موسى وما كتبه الأنبياء والكهنة والأحبار من أسفار وكتب العهد القديم، وأن التوراة الحالية كتبت فى عهود متأخرة، وكان القصد الأساسى من كتابتها الإيحاء بأن اليهود أمة واحدة -وليست قبائل متفرقة محاربة كما يقول التاريخ القديم- وأن هذه الأمة اليهودية الواحدة هى شعب الله المختار الذى فضله على العالمين.
وأن الله وعد هذه الأمة بالأرض الموعودة الممتدة ما بين النهرين -دجلة والفرات، ونهر النيل وشمال الجزيرة العربية- هذه هى أرضهم وأباح لهم الرب فى التوراة الجديدة هذه الأرض بمن عليها وما عليها وأن أموال وأرواح سكان هذه الأقاليم مباحة لهم سبياً وغصباً وقتلاً وليس فى ذلك خروج على الشريعة اليهودية، بل إنه تطبيق وتحقيق لها، وإعادة بناء هيكل سليمان فى مكانه وما يترتب على ذلك من هدم المسجد الأقصى، وعلى هذا الأساس قامت الحركة الصهيونية بكل ما فيها من عنصرية وتوسع واستعلاء، وقامت دولة إسرائيل الحالية لا فرق فى الأهداف النهائية الاستراتيجية بين أحزاب دينية وأخرى علمانية، وإنما الفارق فى التكتيك وطريقة التنفيذ.
وعلى ذلك فإن تقديرى الذى لا أبنيه على افتراضات أو عواطف أن دولة إسرائيل هذه لا تريد سلاماً ولا تريد دولة فلسطينية إلى جوارها ولا ترى فى الفلسطينيين «شعباً» يستحق أن تكون له أرض يقيم عليها سلطة حقيقية، وإنما هى -إسرائيل- ترى أن الأرض أرضها هى دون غيرها، وإن طال الزمن أو قصر، لابد أن يرحل عن هذه الأرض من ليسوا من أهلها -من ليسوا من أهل إسرائيل- وأن يحل محلهم أبناء الأرض الأصليون من بنى إسرائيل،
ومن ثم فإن إعداد الأرض لهم وبناء المستوطنات لكى تستقبلهم وتؤويهم هما السياسة الواجبة، وأن كل حديث عن دولة فلسطينية وعن شعب فلسطينى أو عن وقف الاستيطان هو حديث دبلوماسى لا يقصد من ورائه أى حقيقة على أرض الواقع. إنه حديث من أجل إلهاء الغافلين ليزدادوا غفلة، ومن أجل الضحك على ذقون الأنظمة العربية التى تسعد بأن يجوز عليها الضحك، لأنها استمرأت أن تكون محلاً للهوان والسخرية.
المعادلة البائسة أنك أمام طرف يعرف ما يريد جيداً -بصرف النظر عن أنه يقيمه على خرافات وأساطير كما يقول التاريخ أو على عقائد يؤمن بها إيماناً راسخاً- ويعمل ويخطط من أجل تنفيذها على أرض الواقع. أما الطرف الثانى فهو «الفلسطينيون» والصورة الحالية للفلسطينيين بالغة الكآبة، غالبية مقهورة تتمسك بالأرض، ووسيلتها فى ذلك عواطف شعبوية ومشروعة، ولكن ليس بيدها القوة التى ترد بها القوة العاتية التى تملكها إسرائيل.
وقلة من الفلسطينيين استمرأوا الكلام وأصبح الكلام وأصبحت الخطب هى بضاعتهم، وهى وسيلتهم إلى المقاعد والثراء فى الداخل والخارج واحتربوا مع بعض على وهم وتركوا عدوهم يقضم كل يوم قضمة ويضم كل يوم قطعة، ويبنى كل يوم مستوطنة، ويثبّت دولته على أسس من حديد ويبنى حولها جدراناً لا ينفذ منها نافذ.
والطرف الثالث فى المعادلة هو الأنظمة العربية، وهى بدورها شيع شتى يجمع بينها أمران العجز من ناحية، ومضغ الكلام فحسب من ناحية أخرى. أليست هذه هى أطراف المعادلة الراهنة بغير تزويق ولا مبالغة، المؤسف والمر أن هذه هى حقائق الواقع الكئيب الذى نعيش فيه.
ويحيط بهذا الواقع وبأطراف المعادلة الثلاثة مجتمع دولى بالغ التعقيد فى تركيبته، ولكنه على أى حال مجتمع يرعى المصالح الذاتية قبل الحقوق وقبل العدل، ويخضع لأنواع من الضغوط الإعلامية والمالية وأحياناً بعض الخرافات التى أُعِد لها وسُوِّقت باقتدار وبحرفية عالية.
هذه هى أطراف المعادلة وهذا هو محيطها.
وإذا كان ذلك كذلك -كما تقول الأحكام القضائية فى تسبيبها- فماذا نحن فاعلون؟
هل من سبيل إلى تغيير فى أوضاع أطراف المعادلة أم أن السبيل مغلق بالضبة والمفتاح، شأنه فى ذلك شأن الإصلاح الدستورى الحقيقى والسلمى فى مصرنا العزيزة؟ وهل هناك رابطة بين هذا الأمر وذاك؟
هذه هى القضية وهى قضية حاكمة وبالغة الأهمية، لأنها تتعلق بمستقبل هذه المنطقة التى نعيش فيها وسيعيش فيها أولادنا ولا تتعلق بفلسطين وحدها. إن المخطط الصهيونى الجهنمى يبدأ أولاً بفلسطين ولكنه يذهب وراءها إلى ما يقال له الشرق الأوسط بكل تداعياته ومكوناته، ضماناً لتحقيق الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على هذه المنطقة من العالم.
والمُخطَّط -لدى كل عين فاحصة- يسير بخطوات مرسومة وثابتة هدفها إبقاء التشرذم العربى على حاله وزيادته تشرذماً إذا أمكن، وإبقاء الضعف والتخلف العربى على حالهما بل زيادتهما إن أمكن بمساعدة الأنظمة العربية التى يعتقد أغلبها أن بقاءه مرهون بقهر الشعوب وحرمانها من التعليم والصحة والمشاركة فى حكم نفسها.
فما الحل؟ هل من خلاص؟
فلسطينياً يجب أن تنتهى وإلى غير رجعة جريمة التشرذم وانقسام الفصائل، إن هذا الانقسام ليس ترفاً ولا نزقاً ولكنه خيانة بكل معنى الكلمة.
هذه هى الخطوة الأولى، والخطوة الثانية هى الضغط الشعبى المستمر والمتصاعد على الأنظمة العربية، لعلها تبصر ولعلها تصحو وتدرك مدى سواد المستقبل الذى ينتظر دولها وبلادها إذا استمر الحال على ما هو عليه.
هذا فى المدى المنظور.
أما فى المدى البعيد فإن التطورات التاريخية ستقول رأياً آخر قد يحتاج إلى مقال آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.