فى مواجهة الضغوط الأمريكية وموجة الاستنكار الدولية التى أثارتها إسرائيل بإعلانها الموافقة على بناء 1600 وحدة استيطانية فى القدسالشرقية أثناء زيارة جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكى باراك أوباما، لإسرائيل، بدت فى الأفق علامات على أن سلطة الاحتلال بدأت ترضخ لتلك الضغوط، لتفادى تضخم الأزمة الدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة، حليفتها الرئيسية، حيث كلف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أمس الأول - خلال جلسة لمجلس الوزراء - لجنة إدارية بالتحقيق فى الإخفاقات خلال زيارة بايدن، فى الوقت الذى واصلت فيه قوات الاحتلال الإغلاق الشامل للضفة الغربية، كما فرضت حظراً على الرجال الذين لم يتجاوزوا ال50 من العمر، من الدخول إلى باحة المسجد الأقصى، خشية وقوع صدامات جديدة مع الفلسطينيين. وقال متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، أمس، إن اللجنة، التى تضم مدراء وزارات، مكلفة ب«تقصى تسلسل الأحداث ووضع قواعد تمنع تكرار مثل هذه الأحداث فى المستقبل»، غير أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت مراراً بوضوح أنها لا تنوى وقف تلك المشاريع الاستيطانية، معتبرة أن المنطقة الشرقية من المدينة المقدسة جزء لا يتجزأ من إسرائيل، رغم عدم اعتراف المجتمع الدولى بذلك. واعتبر نتنياهو - خلال الجلسة - أن الإعلان عن الخطط الاستيطانية فى القدس «كان حادثاً مؤسفاً ومؤذياً للمشاعر وقع بحسن نية وما كان له أن يحدث البتة»، فيما طلب من الوزراء عدم الإدلاء بأى تصريحات عن القضية. وكان نتنياهو اتصل قبل بضع ساعات بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالى سيلفيو برلسكونى، مؤكداً لهما عدم «تسريع وتيرة الاستيطان» فى القدسالشرقية، حسبما أفاد مصدر حكومى. جاءت التحركات الإسرائيلية بعد يوم من استدعاء الخارجية الأمريكية، الجمعة، السفير الإسرائيلى مايكل أورن للإعراب عن تحفظها من الإعلان الإسرائيلى. وأبلغ نائب وزيرة الخارجية الأمريكية جيمس ستاينبرج السفير بأن إدارة الرئيس باراك أوباما تشعر بالغضب إزاء تزامن الإعلان الإسرائيلى مع زيارة بايدن. كانت اللهجة الأمريكية شهدت تصعيداً ضد إسرائيل، حينما وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون التصرف الإسرائيلى ب«المهين»، بينما وصفت رابطة مكافحة تشويه السمعة فى واشنطن - التى تسعى لحشد الدعم لإسرائيل بين أعضاء الكونجرس الأمريكى- تصريحات هيلارى بأنها «رد فعل مبالغ فيه». ومن ناحيتها، أعربت الصحف الإسرائيلية، أمس، عن قلقها من «الأزمة المفتوحة» مع واشنطن، حيث كتبت صحيفة «هاآرتس» اليسارية أن «الأزمة التى كنا نتوقعها منذ زمن بين إسرائيل والولاياتالمتحدة منذ تولى نتنياهو مهامه (كرئيس للوزراء) نشبت». وقالت الصحيفة إن «ساعة الحقيقة دقت بالنسبة لنتنياهو الذى سيضطر للاختيار بين قناعاته الأيديولوجية وتحالفه مع اليمين من جهة وبين ضرورة الحفاظ على دعم واشنطن من جهة أخرى»، وهو الدعم الذى تراه معظم الصحف مهماًً، خاصة أن إسرائيل تعتمد على واشنطن لوقف برنامج إيران النووى. وكتبت صحيفة «معاريف» أن «الأزمة بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية هى الأخطر منذ عقد» تحت رسم كاريكاتيرى ظهر فيه أوباما وهو يطهو نتنياهو فى إناء، واعتبرت الصحيفة أن رد فعل نتنياهو على الانتقادات الأمريكية - حول تشكيل لجنة لتقصى الأحداث - «يدل على هلعه». وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه «إنذار» أمريكى حول تجميد الاستيطان ستواجهه إسرائيل بعد أن «بصقت فى وجه» حليفها الرئيسى، فيما أكدت صحيفة «إسرائيل هايوم» القريبة من نتنياهو أن «إسرائيل استخلصت الدروس» من هذه القضية، معتبرة أن «رد الفعل الأمريكى مبالغ فيه» نظراً لإعراب إسرائيل عن أسفها. وميدانياً، أمرت وزارة الدفاع الإسرائيلية أمس الأول بتمديد الإغلاق الكامل المفروض، الجمعة، على الضفة الغربية حتى منتصف ليل الثلاثاء، بعدما كان مقرراً أساساً حتى منتصف ليل السبت، وذلك تحسبا لرد عنيف على الدفع الجديد الذى أعطته الحكومة الإسرائيلية للاستيطان. وكثفت قوات الاحتلال الإسرائيلى، أمس، نشاطها الأمنى فى قرى وبلدات الضفة الغربية، بعدما وقعت مواجهات أمس الأول قرب الخليل ونابلس، أطلق خلالها عناصر جيش الاحتلال القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين الفلسطينيين. ويعمد الجيش الإسرائيلى منهجياً إلى إغلاق الضفة الغربية بمناسبة كل عيد يهودى، لكنها المرة الأولى منذ أكثر من سنة التى يتخذ فيها قرار الإغلاق دون أن تحتفل إسرائيل بأى عيد. كما أعلنت الشرطة الإسرائيلية التى تخشى صدامات جديدة، أن الدخول إلى باحة المسجد الأقصى سيحظر مجدداً خلال ساعات على الرجال الذين لم يتجاوزوا ال50 من العمر، على أن تبقى الشرطة على تعزيزاتها الأمنية فى القدسالشرقية، وذلك بعدما وقعت صدامات عنيفة الجمعة الماضى فى باحة المسجد الأقصى بعد قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إدراج موقعين دينيين فى الضفة الغربية هما الحرم الإبراهيمى فى الخليل وقبر راحيل فى بيت لحم على لائحة التراث التاريخى لإسرائيل.