أكبر خطأ سياسى ودبلوماسى يمكن أن نرتكبه مع سوريا أن نضع علاقاتنا بها فى كفة، وعلاقاتها بإيران فى كفة أخرى، وأن نشترط لتعزيز هذه العلاقات وإعادتها إلى سيرتها الأولى، أن يكون ذلك على حساب علاقات دمشقبطهران، وأكبر خطأ يمكن أن ترتكبه دمشق هو أن تفكر بالطريقة نفسها فى شأن العلاقات المصرية الإسرائيلية. ما يجب أن نفعله قبل القمة العربية المرتقبة فى «سرت» الليبية أن نسأل أنفسنا بهدوء: هل نريد سوريا حقاً معنا، أم أننا نرى أن الحياة وردية بدونها، وأن ارتباطنا بها يعطل أكثر مما يفيد؟ هل نبذل جهداً حقيقياً لاستعادة دمشق وإعادة نسج العلاقات معها بعيداً عن الاستقطابات الإقليمية والدولية أم أن الشروط المسبقة، وتضخيم أسباب الخلاف واستعداد كل طرف بكشف حساب عسير عن التجاوزات التى يرى كل منهما ارتكابها فى حقه من قبل الطرف الآخر، ستبقى هى الحاكم الرئيسى فى تحديد إمكانية عودة دمشق إلى القاهرة، أو على الأقل ضمان مصافحة ودود إذا كانت الأحضان غير مطلوبة حالياً. لا جدال أن الوضع العربى العام كان أكثر قوة فى ظل توافق المثلث المصرى السعودى السورى، وأن نجاح هذا المثلث كان قائماً على تفهم كل طرف لعاملين أساسيين، أولهما: حرص مشترك على بقاء هذه العلاقات المشتركة قوية ومتينة كحصن أمان لحد أدنى من التوافق العربى، والثانى: احترام مشترك للعلاقات الخاصة لكل طرف، مع الأطراف الإقليمية والدولية، والحقيقة أن ذلك كان مفيداً إلى حد كبير للوضع العربى عموماً، فإذا كانت القاهرةوالرياض لهما أسباب ذات وجاهة فى التحفظ على تطوير علاقاتهما مع طهران، فبقاء دمشق على علاقة وثيقة بها يعنى أن العرب لم يحرقوا كل المراكب ولم يقطعوا نهائياً مع طهران عسى أن تأتى الرياح يوماً بما تشتهى السفن، والأمر نفسه فى علاقات القاهرة بتل أبيب، أو علاقات الرياض بواشنطن. تستطيع أن تقول إن حالة الانقسام العربى الحالية، وانفتاح مسام المنطقة للتدخلات والاستقطابات الإقليمية، لم تنطلق برحابة كسكين فى زبد، إلا مع انهيار هذا المثلث، وانقسامه، ولابد أن تعترف أن هذا الانقسام جر انقسامات أعمق على جميع المستويات، سواء بين الدول وبعضها، أو داخل الوطن الواحد كما يتجلى فى لبنان والأراضى الفلسطينية، ومنح الأطراف الإقليمية والدولية مزيداً من الفرص للنفاذ فى أرض باتت ممهدة للتدخل وبناء التحالفات، وإدارة المعارك مع بعضها عبر وكلاء عرب، وعلى أراض عربية. الخطوة الأولى لتحقيق المصالحة الفلسطينية، أو التوافق فى لبنان، أو حتى مواجهة التهديدات الإيرانية والإسرائيلية، هى عودة هذا المثلث لقيادة المنطقة العربية بتناغم وانسجام، وفى الوقت نفسه احترام خصوصية كل طرف، وحقه فى نسج علاقاته الدولية كما يرى، والتعامل مع هذه العلاقات باعتبارها رصيداً للعرب يمكن استخدامه واستغلاله بتنسيق مشترك. تستطيع أن تستخدم علاقات دمشقبطهران لتحقيق استجابة إيرانية للمطالب العربية منها، وأن تستفيد بضغط مصرى لتحريك عملية السلام المتوقفة، والأهم أن تستخدم توافقاً مصرياً سورياً سعودياً لضبط إيقاع التناطح السياسى فى لبنان، وتحقيق مصالحة فلسطينية صارت أصعب من إقناع تل أبيب بالسلام. تحتاج المسألة إلى خطوة من القاهرة، وأخرى من دمشق، ومباركة من الرياض، وقبل كل ذلك إرادة سياسية مستقلة عن أى تأثير خارجى. [email protected]