إذا أردت أن تعرف حجم التخلف فى مجتمع ما، فانظر إلى حكاياته. وإذا ما نظرت إلى ما يدور فى المجتمع المصرى، وأنت كغيرك بلا شك غير مهتم بالتلفت حولك، ستكتشف أنك أمام مجتمع ثرثار، يغرق فى توافه الأمور ويتجاهل عظيمها، يحقر أنبياءه ويحتفى بشياطينه، ينصر أقوياءه ويسحق ضعفاءه، يُغيّب المستقبل ويبجل الماضى. جرفنا التيار الكرنفالى والاستقبال الاحتفالى للدكتور محمد البرادعى القادم من أوروبا، ونسينا أن «الحصانة الدولية» وحدها أعطته حضورًا مغايراً، ظهرت ثماره فى رحلة الرئيس الأخيرة لألمانيا «مجرد سؤال عابر وإجابة ملأت الصفحات الأولى للصحف القومية».. غاب الشعب وأخرج نفسه من الحسبة برمتها لأنه عاش فى كنف السلطة الحاكمة لسنوات طويلة، ملَّ من عدها، ولم يعرف إن كان محكوما أو محتلا، وإن كان هذا حاله مع سلطة تعيش معه داخل الوطن، فكيف سيؤمن برجل عاش جُلّ عمره بعيدا، ولم يظهر فى أى وقت أنه مهتم بشىء فى هذا الوطن إلا حين أعلن عن رغبته فى الرئاسة، بينما قال مريدوه:لا بأس أن نتدثر برداء «الحصانة الدولية».. نسينا أيضا دستورنا الواقف كجبل أمام ترشح البرادعى أو غيره فى الانتخابات الرئاسية.. نسينا أن النضال الحقيقى فى تغيير الدستور لا تغيير الرئيس. صرخنا فى وجه قضاة مجلس الدولة المصرّين على تغييب المرأة عن مجلسهم الموقر، ونسينا أنهم انعكاس لواقع يرفض فك أصفاده، أو الخروج من بحار الظلمات. نسينا أنهم مكبلون بواقع اجتماعى وتأويلات دينية تجافى العقل وتهزم المنطق، نسينا أن المجتمعات المتخلفة لا تتقدم فى جانب وتتخلف فى كل مناحى الحياة، نسينا أن قضاة مجلس الدولة لم ينتفضوا حين عدلت المادة «88» التى أبعدتهم وغيرهم عن الإشراف على الانتخابات، بينما انتفضوا بشراسة لمجرد تعيين بعض الفتيات فى مجلس الدولة، رغم أن رئيس المجلس الحالى المستشار محمد الحسينى عمل فى وزارة العدل بدولة الإمارات، قبل سنوات، وكان هناك نساء معه فى إدارة الفتوى والتشريع. انشغلنا بمعركة مرتضى منصور وأحمد شوبير، ونسينا أن إعلامنا يعمل كجيش عدو، يبعدنا كل يوم عن أرضنا ويدخلنا دوامة التسلية، ويغرقنا فى صراعات أقرب لملهاة وأبشع من مأساة. أوهمونا بأن الدولة تحارب فساد النواب، حين فضحوا بعض من تاجروا فى أجساد الفقراء الذين أعيتهم الحاجة، فمدوا أيديهم للعلاج على نفقة الدولة، ونسينا أن هذا النظام الفاسد هو من خلع الباب ليدخل منه النواب، وأن العلاج على نفقة الدولة حق لجميع المواطنين، يتحول إلى باطل حين يصبح سلاحا فى يد النواب، فمن العار أن يكون العلاج على نفقة الدولة بالواسطة والمحسوبية، ومن الخراب أن يتحول نائب الشعب، المسؤول الأول عن الرقابة والتشريع، إلى مجرد لص يتاجر فى المرض، أو إلى شتّام وسبّاب تحت قبة المجلس الموقر، وبالتالى لا يستطيع أن يرفع عينيه فى وجه الحكومة التى تشتريه بثمن بخس.. تلك هى مصيبتنا: مجرد ثرثرة فوق جسد الوطن.