المأزق الذى تعيشه مصر الآن مع اشتعال التنافس على المقعد الرئاسى ليس وليد اللحظة، لكنه امتداد لحالة التفكك والسيولة بين المصريين، فبدلا من تفكيك النظام السابق وإعادة بناء نظام عادل ومحترم قادر على تحقيق تطلعات المصريين فى غد أفضل، بناء على استراتيجية يجتمع علماء مصر وخبراؤها على تحقيقها، دخلت مصر فى دوامة من التشتت، وأصبح الهدف الأهم والأوحد للأحزاب والتيارات السياسية المختلفة هو عدد المقاعد التى ستحصل عليها فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وبعد أن أظهرت نتائج هذه الانتخابات اكتساح التيار الإسلامى وحصوله على الأغلبية فى المجلسين، تولد الخوف من حصول المرشح الإسلامى على الأغلبية أيضا فى الانتخابات الرئاسية، وبذلك يسيطر هذا التيار على كل السلطات وينفرد بقيادة البلد فى الفترة المقبلة. وانفراد تيار وتوجه فكرى بعينه بصياغة مستقبل مصر لا يمكن أن يكون اختياراً موفقاً، لأنه ببساطة يعيد مصر إلى حالة التسلط التى كنا نعيشها فى ظل سيادة الحزب الوطنى، وهذا الوضع يرفضه العقلاء والمخلصون للبلد من كل الاتجاهات، إذن ما البديل؟ هل البديل هو عودة أحد رموز النظام السابق للحكم؟ ودون الذم فى أى مرشح من هؤلاء أتساءل: هل من المعقول أن يقدم شخص تجاوز السبعين تجربة جديدة أم أنه سيحكم بما يعرف؟ يقول المثل الشعبى: «من شب على شىء شاب عليه»، وهؤلاء المرشحون مهما كانت نواياهم مخلصة، وأنا لا أشكك فيها، هل يستطيعون أن يكونوا غير أنفسهم؟ الوضع مربك ومضلل، لو أن الإخوان المسلمين المصريين لم يتراجعوا عن وعدهم بالوقوف مع مرشح مدنى وعدم خوض معركة الرئاسة بمرشح إسلامى، كان من الممكن اختيار مرشح مدنى لا يحسب على نظام مبارك السابق، مثل منصور حسن مثلا وتعضيد موقفه وتفادى الكثير من البلبلة التى نعيشها الآن، ولكن «لو» تفتح عمل الشيطان، ونحن الآن أمام موقف معقد، لكن هل هذا التعقيد حقيقى أم مصطنع؟ هل كان من المتصور ألا تقوم جماعة الإخوان بما قامت به؟ هل كان خافياً على السلطات أن حازم أبوإسماعيل والدته تحمل الجنسية الأمريكية قبل أن يقدم أوراق ترشحه؟ وضع أيمن نور القانونى الذى يخرجه من السباق الرئاسى، لماذا ظل غامضاً حتى تقدم بأوراق ترشحه، وكذلك خيرت الشاطر؟! إن ما يحدث يبدو مجموعة من الصدف، لكننى لا أظنها كذلك، إنها لعبة كبيرة لها قوانينها، تماما مثل لعبة الكراسى الموسيقية، حيث يتم استبعاد كرسى مع كل دورة ليبقى دائما عدد اللاعبين أكبر من عدد الكراسى بواحد، وتنتهى اللعبة بتنافس اثنين، الفائز منهما هو الأسرع فى الجلوس على الكرسى الوحيد الباقى. لعبة لها قواعد وما يجرى فى الشارع لعبة لها قواعد، وسيتم استبعاد مرشح مرشح مع اقتراب موعد الانتخابات، ف التنافس الحقيقى سيكون بين اثنين فقط، اثنين سيكون أحدهما رئيس مصر القادم، ولا يتصور أحد أنه جاء فجأة أو أنها مجرد صدفة، فهناك دائما صدف مصنوعة، مثل صدف عبدالحليم حافظ مع فاتن حمامة فى «موعد غرام»، الأمور ليست دائما كما تبدو، والديمقراطية مثل الديكتاتورية لها ضحايا، ولكن لأن الديمقراطية سمعتها مازالت حسنة فعلينا أن نتقبل راضين نتائجها. وأقول لمن يطالب بثورة ثانية، فى حالة نجاح مرشح رئاسى لا تجده بعض الفئات جديرا بالجلوس على مقعد رئيس الجمهورية: إننا لا ننزل البحر بعينه مرتين، فمصر اليوم ليست مصر مبارك، المارد الذى كان محبوساً فى القمقم على مدى عقود خرج وذاب وسط الجموع، وتلاشت معه قوة الدفع الجبارة التى حركت الثورة فى أيامها الأولى، نحن لا نحتاج لثورة ثانية، لكننا نحتاج للتفكير العاقل المتأنى لندرك الأخطاء التى تمت ونحللها ونمنع حدوثها مرة ثانية، لا أن نكرر تجاربنا متصورين أننا أمام الكاميرا فى فيلم سينمائى ومخرج يقول ببساطة: كلاكيت تانى مرة.. «ثورة مصر».