أبو العينين يؤكد أهمية وجود رجال الأعمال في تشكيل المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار    وزير البترول: رفع كفاءة البنية التحتية يحقق أفضل استغلال للموارد بشكل مستدام    استشهاد 3 جنود لبنانيين في ضربة للاحتلال على مركبة للجيش    آس: فينيسيوس جونيور قد يحصل على الكرة الذهبية لأول مرة يوم الاثنين    درجات الحرارة تصل إلى 17 بهذه المناطق.. بيان هام من الأرصاد    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم بشبين القناطر فى القليوبية    أمين مساعد الأمم المتحدة: مبهورون بمستوى التنمية فى مصر ونشكر الرئيس السيسى    لمواجهة الفقر المائي.. الرئيس السيسي: أنفقنا مبالغ ضخمة لتشييد محطات معالجة للمياه    بعد قائمة الأساقفة المعترضين.. الكنيسة الأرثوذكسية تعلن تأجيل السيمنار العاشر    لحظة مقاومة "السنوار" لجنود الاحتلال تتصدر غلاف "صوت الأزهر" - صورة    وزير الصحة العراقي: التعامل مع النازحين كان أول ملفاتنا بعد تحرير البلاد    حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في صفد بشمال إسرائيل    المجلس الوطنى الفلسطينى:انتهاكات المستوطنين باقتحام الأقصى إرهاب منظم    فرص عمل جديدة للشباب في الشرقية برواتب مجزية.. الشروط والتفاصيل    جامعة الزقازيق تعقد ندوة تعريفية ببرنامج رواد وعلماء مصر    دمياط تعلن استعدادها لزراعة 35 ألف فدان من القمح    واقعة دهس عامل الدليفري.. قرار جديد من محكمة جنايات الإسكندرية- صور    رصاصة طائشة تنهي حياة شاب في قنا    تأجيل محاكمة ميار الببلاوي والشيخ محمد أبو بكر في واقعة السب والقذف    إصابة 8 لاعبين دراجات بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    "نافذة على فلسطين".. برنامج أفلام خاص في مهرجان الجونة السينمائي    نحتاج مليون وظيفة سنويًا.. السيسي: انخفاض معدل البطالة إلى 6.5%    فيلم "196 متر" ل شكيب بن دياب ينافس في مهرجان الجونة السينمائي    صلاة واحدة تغفر الذنوب مهما بلغت.. مرة في الشهر أو العمر تكفيك    في هذه الحالة..الرئيس السيسي : مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي    نظام غذائي متوازن لصحة الجهاز الهضمي    إعلام إسرائيلي: سماع دوي انفجارات عدة في الجليل الغربي    «الداخلية» تستقبل وفد سفراء الدول الإفريقية لتدريب القوات الخاصة    محافظ أسيوط: بدء أعمال رصف طريق ترعة بهيج بمركز أبنوب    حداد سعيد رئيسا لجهاز التفتيش على أعمال البناء بالإسكان    وزارة الداخلية تواصل جهودها لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج عن القانون    استشهاد 759 فلسطينيًا برصاص الاحتلال في الضفة المحتلة منذ أكتوبر الماضي    ندب الدكتور حداد سعيد لوظيفة رئيس جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء    بعد الاستبعادات.. استمرار المنافسة في السباحة بين قائمتي ياسر إدريس ورؤوف نور    «شبح الإكس يطاردهم».. 3 أبراج تعتقد أن شريكها السابق أفضل    مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة عصام السيد    رد الجنسية المصرية ل24 شخصًا.. قرارات جديدة لوزارة الداخلية    «القاهرة» الأولي على إفريقيا في تصنيف "ليدن" الهولندي    وكيل أوقاف الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة يفتتحان معرض الكتاب بالمكتبة المركزية    صحة الدقهلية: الكشف على 1806 مرضى ضمن فعاليات القوافل العلاجية    قوافل طبية لعلاج المواطنين مجانا بالشرقية    حكم استخدام زخارف المصحف في ديكورات الأفراح.. الأزهر للفتوى يوضح    الفنان محمد فوزي.. ذكرى وفاة عبقري الموسيقى    أحمد شوبير يستنكر تجاهل استاد العاصمة الإدارية لمباريات الدوري    هاتريك ميسي يقود إنتر ميامي لرقم قياسي في الدوري الأمريكي    «كيفية التأسي بالنبي».. ندوة توعوية للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر في مالي    ما معنى «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»؟.. أسرار الآية (216)    مفتي الجمهورية يوضح حكم عمليات تجميل الأنف    السكك الحديدية تنقل السائحين من محطة بشتيل لأسوان لمشاهدة تعامد الشمس    «ارتفاع عز وهبوط الاستثماري».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    استشاري: السيدات أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام «المرض الصامت»    التشكيل المتوقع لمواجهة ليفربول ضد تشيلسي يوم الأحد    دياب: إعلان مواعيد مباريات الدورى خلال ساعات.. وانتخابات رابطة الأندية نهاية الشهر    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    أمريكا تُحقق في تسريب المعلومات بشأن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران    اليوم.. محاكمة 6 متهمين في «خلية الحدائق»    ملف يلا كورة.. قرعة الدوري.. الهزيمة الأولى لأرسنال.. و"يد الأهلي" بطلًا لأفريقيا    هشام يكن: الزمالك سيدخل لقاء بيراميدز بمعنويات عالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آل فرعون.. الأمس واليوم (3)
نشر في المصري اليوم يوم 29 - 08 - 2010

يقول المثل المصرى «لكل فرعون هامان»، سواء كان هذا ال«هامان» وزيراً أو نائباً أو مستشاراً للفرعون، أو حتى مجرد لقب يخلع على شخص يلتصق بالفرعون، كما أشار بعض المفسرين. فالمهم أن يكون للفرعون أى فرعون- ذراع يمنى قادرة على تنفيذ سياساته والبطش بأعدائه. ومن عجائب القرآن الكريم التى لا تنفد أن اسم فرعون كان غالباً ما يذكر مقروناً باسم هامان. وكأنهما رأسان فى طاقية واحدة!، وربما يكون ذلك هو السر فى المثل الشعبى المصرى الذى توارثته الأجيال. فالفرعون لابد له من أداة «متفرعنة» تسير فى ركابه . هذه الأداة اسمها «هامان».
فأخص خصائص الوزير المتفرعن أنه يمثل أداة للحاكم ومطرقة يقرع بها رؤوس من يرفضون توجهاته وسياساته. وقد تعجب كثيرون من التصريحات التى رددها بعض وزراء المحروسة وقالوا فيها إنهم مجرد سكرتارية للرئيس. وحقيقة الأمر أنه لا محل للتعجب فى هذا الكلام، فهم بالفعل كذلك. والقرآن الكريم يحكى لنا أن فرعون لما استمع إلى حديث موسى عن الإله الواحد الأحد نادى هامان وطلب منه أن يبنى له صرحاً ليرى إله موسى، «وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين». فهامان هو الأداة التى تحقق رغبات الفرعون وتنظر إلى أحلام سيادته كأوامر واجبة النفاذ فى الواقع.
ويظل الفرعون طيلة حياته واثقاً أشد الثقة فى تلك الفصيلة البشرية الهامانية ولا يأمن لغيرهم بحال من الأحوال ويصم أذنيه عن أى كلام غير «هامانى». وعندما خرج إليه- من آله- رجل مؤمن (يكتم إيمانه) يدعوه وقومه إلى الإيمان بالحق وتصديق رسالة السماء وألا يغتروا بما لهم من ملك وقوة يمكن أن تهلك وتبيد فى لحظة لم يستمع إليه لا الفرعون ولا أحد من قومه «يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا، قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد». فالفرعون لا يسمع إلا صوت نفسه ولايقرب من الرجال إلا كل من هو «عنق» مثل قرينه هامان. ومن العجيب أن القرآن استخدم وصف «رجل» فى الحديث عن ذلك الشخص الذى تجرأ ونطق لسانه بالحق فى مجلس الفرعون الذى يحتشد ب«الهامانات» من هواة «الطرح»!
ولأن القرآن الكريم أصدق الحديث فقد حرص على الإشارة إلى أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه خوفاً من بطش الفرعون ليقدم لنا ذلك النموذج الخالد للمثقف الذى يتحرك من أجل الإصلاح بقدر كبير من التخفى والاستتار. وهو لا يرفض أن يكون جزءاً من تركيبة السلطة التى يحكمها الفرعون وينفذ مخططاتها من يلعب دور «هامان». ومهما كانت درجة إيمان هذا المثقف «الرجل» ومستوى صدقه فإنه لا يقوى على إقناع غلاظ العقول والقلوب بالحقيقة الساطعة مثل الشمس. ولا يكون أمامه فى النهاية سوى أن يفوض أمره إلى الله « فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب».
لقد رضى الرجل المؤمن «نموذج المثقف» بدور المراقب الذى يبصر الأخطاء فى قومه ويحاول أن يدلهم على الحقيقة، فى مقابل «هامان» الوزير أو الغفير أو الكاهن أو ممثل الشعب الذى يقبل بدور الأداة التنفيذية، ولا يرى فى الحياة حقيقة سوى رأى ورؤية من وضعه فى المنصب، لأن تلك هى الضمانة الوحيدة لتحقيق المكتسبات والمغانم. بل يمكن أن يسعى المثقف ذاته إلى الجلوس فى مقعد «هامان» ويبحث هو الآخر عن وظيفة «المستشار» إذا لم يفلح فى «الاستوزار»!. وقد كان القرآن حريصاً على استخدام وصف السادات والكبراء عند الحديث عن حاشية فرعون.
فهؤلاء جميعاً يقعون فى الفئة الهامانية المدافعة عن الفرعون الذى يطعمهم ويسقيهم من شهده، وإذا نازعه فرعون صغير فإنهم يبادرون إلى الدفاع عن «كبيرهم» بكل ما أوتوا من قوة، ويقفون صفاً واحداً فى مواجهة مجموعة «الهامانات» الجدد التى تلتف حول «الصغير». وكل هامان يدافع عن فرعونه ليس من أجل الصالح ولكن من أجل المصالح!
فإذا صح أن لكل فرعون هامان فيصح أيضاً أن يكون لكل فرعون كبير فرعون صغير يمكن أن ينازعه ملكه ويغدره فى لحظة ما. ومهما حاول الكبير التحصن وحماية نفسه بتحويل كل من حوله إلى «هامانات» تعمل بإرادته وتنفذ ما يريد فإن الخطر قد يدهمه من حيث لا يتوقع ولا يحتسب، «وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم».
وقد حدث شىء قريب من ذلك لفرعون مصر، حيث كان السبب فى هلاكه وزوال ملكه أقرب الناس إليه وهو نبى الله موسى الذى رباه فى حجره وكان له بمثابة الأب «قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين». فكانت نهايته على يد من رباه، وتلك حكمة كبرى لابد أن يتوقف أمامها كل ذى عقل. فقد شاء الله تعالى أن يكون موسى الذى ربى على يد فرعون وامرأته سر هلاكه وزوال ملكه، وأن يكون موسى «السامرى» الذى رباه جبريل عليه السلام سر هلاك بنى إسرائيل وضلالهم بعد أن علمهم عبادة العجل، فحكم عليه نبى الله موسى أن يعيش عمره منبوذاً من الجميع «قال فاذهب فإن لك فى الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا».
هكذا تبقى الفرعنة حالة غير مرتبطة بزمان أو مكان بل بشروط معينة إذا توافرت فى بيئة ما تحول حاكمها إلى فرعون، وشعبها إلى جماعة من المتفرعنين، ووزراؤها إلى هامانات، ومثقفوها إلى حفنة من المغلوبين على أمرهم، ليعيش هؤلاء جميعاً ردحاً من الزمن هانئين مطمئنين حتى يأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.