أن يحبك من هم منك فذلك فضل من الله ونعمة، أما أن يجمع الناس جميعاً على حبك فذلك يعنى أن وصلت لمستوى القمة.. قول مأثور قد ينطبق على القليل النادر من البشر.. شيخ أو إمام أو راهب أو رجل تقوى.. أما أن يكون هذا الموصوف هو المغفور له، اللواء أحمد رأفت نائب رئيس جهاز أمن الدولة، الذى لقى ربه مؤخرافالأمر يثير الانتباه.. لقد شهدت ليلة عزاء الرجل الذى يشغل أحد أهم وأكثر المراكز حساسية فى المنظومة الأمنية المصرية، والتى تحتل الصف الأول فى جبهة المواجهة مع مختلف التهديدات التى يتعرض لها الوطن، وهو من حمل مسؤولية ملف الجماعات الإسلامية فى مصر وتولى مسؤوليتها بعد اغتيال المسؤول الأول فى جهاز أمن الدولة فى ذلك الوقت الصديق العزيز المغفور له اللواء رءوف خيرت فى التسعينيات. شهدت الليلة اجتماع كوكبة من الأقطاب السياسية المتنوعة والمتعارضة الاتجاهات، وكان الأكثر لفتاً للنظر من بين هؤلاء قيادات الصف الأول للإخوان الذين من المفترض أن يكونوا العدو الألد للرجل وجهازه، فضلاً عن القيادات السياسية والأمنية والدينية الإسلامية والمسيحية الرسمية، بل إن قداسة البابا شنودة الثالث قد حضر العزاء بعد ساعات قليلة من عودته من رحلته الرعوية للولايات المتحدةالأمريكية، ليتضح لكم أن الرجل قد أجمع على تقديره واحترامه القاصى والدانى. ولحساسية موقع الرجل، ربما لم يتصدر صفحات الصحف والمجلات بالقدر الذى يجعله من الأسماء المألوفة، ولكن العالمين ببواطن الوضع الأمنى المصرى يعرفون أن الرجل كان شخصية ديناميكية حققت الكثير من بواعث الأمن الداخلى الذى تعيشه مصر. فالرجل الحافظ للقرآن والملم بالمراجع الفقهية التى تسترشد بها الجماعات الإسلامية يحسب له أنه أول من حمل على عاتقه فكرة التصالح بين الدولة والجماعات الإسلامية، وتنحية البندقية وتقديم الحوار، واستبعاد منطق الثأر المتبادل، والاحتكام لمبدأ التفاهم، كما كان أول صاحب سياسة لا غالب ولا مغلوب بين أبناء الوطن الواحد، وأول من قدم مصلحة الوطن على مصلحة الكرسى الذى يجلس عليه، والذى يرجع إليه الفضل فى التواصل بين أبناء الوطن الواحد وبين الحركات الإسلامية ومجتمعاتها. واستطاع بالتعاون مع المسؤولين وخاصة اللواء حبيب العادلى، مدير جهاز أمن الدولة فى ذلك الوقت، حث الجماعة على إطلاق مبادرتها التصالحية من طرف واحد بدون قيد أو شرط، وكانت جهودهما السبب الرئيسى فى تحسين ظروف السجون وتحويل المبادرة لواقع. كفى أيها السادة أن نطلع على بيان جماعة الإخوان فى نعى الرجل، إذ ذكرت نصا فى وصف الرجل « إن اللواء أحمد رأفت قد غامر بمنصبه ومجده الشخصى والوظيفى تقديماً لمصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، وجعل منصبه على محك نجاحه فى تجربة المبادرة، وأنه كان مخلصاً لدينه ووطنه لتحقيق هذه المصالحة التى أصبحت نموذجا يحتذى فى كل البلاد العربية».. لم لا وهو المعروف بين قيادات الإخوان والجماعات الإسلامية بلقب (الحاج) كما تناديه تلك القيادات أنفسها. أعزائى القراء.. ولأن هذا البلد يعرف قدر أبنائه الأفذاذ، فقد أصدر السيد الرئيس محمد حسنى مبارك قرارا جمهورياً بترقية اسم المرحوم اللواء أحمد رأفت رشدى المصيلحى، نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة، إلى رتبة مساعد وزير الداخلية، وذلك تقديراً لما قدمه من بذل وعطاء خلال مسيرة عمله بوزارة الداخلية.. رحم الله الرجل وعوض مصر العزيزة عنه خيراً. *عضو أمانة العلاقات الخارجيةبالحزب الوطنى الديمقراطى الأمين العام لجمعية محبى مصر السلام [email protected]