أنا مفزوعة من الأخبار الواردة عن تناقص المياه والكهرباء، ونقص الحصة المستوردة إلى مصر من القمح. مفزوعة من التعامل مع عقولنا وكأنها فارغة لا يملؤها إلا سيل من المسلسلات والبرامج التى تعادل ميزانية دولة!! مصدومة من كم الإعلانات ومانشيتات الصحف عن «الطعام».. فى بلد يرفع «الصحون والملاعق والأوانى» احتجاجاً على موجة الغلاء التى اجتاحت عدداً من السلع الأساسية، لكنها عادة المصريين فى شهر رمضان من كل عام!!. عادة لا أفضل ارتداء ثوب النصح، وتلقين البشر دروساً فى ثقافة الاستهلاك، لكننى تعلمت تلك الثقافة وأتصور أنها ليست مستحيلة. أعترف بأننى أشترى الفاكهة بمقدار نصف كيلو دون خجل، مهما جرحتنى نظرات البائع أو حاول توريطى. وأننى لا أرمى بقايا الطعام مطلقا، بل أوزعها على من يستحق.. وأننى قاطعت اللحم عقب وصول سعر الكيلو إلى 100 جنيه. اتخذت عدة خطوات مهمة فى حفظ «النعمة» ورغم ذلك مازالت ميزانية المنزل مرعبة!!. لقد أُضيفت لميزانية المواطن فواتير المحمول والأرضى والكهرباء، وارتفاع سعر البنزين، وارتفاع مصاريف المدارس والجامعات وبقى الراتب على حاله!! فى محافظة الغربية، تصاعدت حدة غضب عمال شركة النيل لحلج الأقطان، لرفض رئيس الشركة مطالبهم بصرف العلاوات الدورية والاجتماعية المتوقفة منذ 2005. فما كان منهم إلا أن ربط عدد منهم أنفسهم بحبل وهددوا بالانتحار الجماعى أمام القطارات. الشعب المصرى يموت -فعلا- موتا بطيئا بسياسة التجويع، وحكومة الدكتور «أحمد نظيف» تتجاهل الحكم الصادر عن القضاء الإدارى برفع الحد الأدنى للأجور. الغريب أن سلوكيات الشعب ظلت كما هى، لا أتحدث عن الأثرياء قطعا، بل عن الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة المنهكة بالأعباء. الثابت من الإحصائيات الرسمية أن المصريين ينفقون على الطعام فى الشهور العادية من السنة 2.5 مليار جنيه شهرياَ ويرتفع هذا الرقم إلى 5 مليارات جنيه فى شهر رمضان!! هذا الرقم المخيف يذكرنى بوزارة الدكتور «على لطفى»، لماذا لا يسيطر الإنسان على شهوة الطعام، ويعتبر «الياميش» مثلا غير موجود بالمرة على قائمة المشتريات؟ قاطعوا السلع التى تغتال إنسانيتكم، وتفرض عليكم الشعور بالعجز. علموا أبناءكم العبرة من شهر الصوم، فهناك ملايين المصريين لا يجدون (العيش الحاف). وسوف يأتى وقت علينا جميعا لا نجد فيه مياها ولا كهرباء ولا رغيف عيش، صحيح أن سياسات الحكومة والفساد تسببا فى تلك المأساة، لكن المواطن أيضا مسؤول. كل التظاهرات والاعتصامات لن توقف قطار الخصخصة الذى يدهس العمال، لن تمنع عشوائية «السوق الحرة» التى ندفع ثمنها جميعا. لكن تنامى «ثقافة الاحتجاج» نفسها يبشر بأنه من السهل تعلم «ثقافة الاستهلاك». قد يبدو كلامى سخيفا لمن يعيش تحت خط الفقر، فالناس تتصور أننا مترفون وأن حياة النخبة أكثر يسراً. لكن طوفان الفقر لن يستثنى أحداً!!.. رمضان كريم.