صيف ساخن وناري ودرجات حرارة غير مسبوقة تركت تداعيات خطيرة علي مناطق عدة علي سطح الأرض فيضانات مدمرة في باكستان وانهيارات أرضية في الصين وحرائق واسعة النطاق في روسيا والبرتغال وكتلة ضخمة من القطب الشمالي تحركت وانفصلت عن محيطها مهددة بكوارث مستقبلا ودرجات حرارة قياسية شهدتها كافة قارات العالم، وظاهرة الاحتباس الحراري تهدد الحياة البشرية والمناخ في حالة من الفوضي الشاملة وخسائر اقتصادية ضخمة بالمئات من المليارات ومخاوف من مجاعات قادمة وأخطار تهدد بصفة خاصة فقراء العالم الذين يدفعون كالعادة ثمن رفاهية الأغنياء. ماحدث خلال الصيف الحالي من ظواهر خطيرة مناخيا طالت العديد من مناطق العالم سبق وحذرت منه الكثير من مراكز الأبحاث الدولية المختصة بالبيئة فالممارسات الجائرة خاصة في البلدان الصناعية الكبري والانبعاثات الصناعية وعدم اتخاذ الإجراءات البيئية المناسبة للحد من هذه الانبعاثات الضارة خاصة غاز ثاني أكسيد الكربون قاد كل ذلك لما شهده العالم علي مدي الأسابيع الماضية من كوارث طبيعية لكنها بفعل الإنسان وما صنعته أيدي البشر من فساد في البر والبحر. دمار واسع شهدت باكستان أعنف وأخطر حالات الدمار الواسعة في تاريخها المعاصر حيث هاجمت الفيضانات العارمة والجارفة مناطق واسعة من أراضيها أدت إلي تأثر 14 مليونا من سكانها صاروا في عداد المشردين غير أكثر من 1600 من الضحايا والآلاف من المفقودين ودمار واسع للمحاصيل الزراعية خاصة القمح والسكر وغيرها لتتجاوز الكارثة ماحدث في تسونامي المحيط الهندي عام 2004 وزلزال هايتي بداية العام الحالي في مساحة الدمار الواسعة التي خلفتها الفيضانات وصعوبة معالجة هذه الآثار من النواحي الإنسانية والاقتصادية والصحية وغير بعيد عن المشهد المروع كانت الصين هي الأخري علي موعد مع الفيضانات التي أحدثت انهيارات طينية هبطت بسببها مساحات كبيرة من الأراضي في 28 إقليما بالبلاد وسقوط المئات من الضحايا وتشريد مئات الآلاف , أما المشهد المغاير لتقلبات المناخ الحادة والكارثية فكان في روسيا فموجات الجفاف ودرجات الحرارة العالية شكلت تحالفا قاد لحرائق غير مسبوقة في سبع مناطق من أراض زراعية وغابات من السهول الوسطي ونحو الغرب الروسي حيث يكمن الخطر في وجود المفاعلات النووية وإمكانية تكرار ماحدث في كارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وتحولت موسكو إلي مدينة أشباح بسبب الدخان الذي غطي محيطها وحول مدينة الثلج إلي منطقة ضبابية سوداء وكانت التداعيات كارثية أيضا فالقمح المحصول الرئيسي والذي تعد روسيا ثالث مصدر له علي مستوي العالم تعرض لكارثة حقيقية بسبب احتراق الآلاف من الأفدنة مما دفع الحكومة الاتحادية لوقف كافة صادراته حتي نهاية العام , الموجة الحارة لم تحدث بروسيا منذ أكثر من ألف عام ويروح ضحيتها يوميا 700 مواطن من جراء الأدخنة السامة والحرارة العالية وانتقلت موجات الحر القياسية إلي القارة الأوروبية فشهدت البرتغال حرائق وكذا اليونان كما شهدت بقية القارة درجات حرارة عالية أدت إلي موت المئات خاصة من كبار السن وامتدت الموجة إلي القارة الأمريكية في مشهد أقل حدة من المشاهد السابقة وإن كان ينذر بتداعيات قادمة في الطريق كالأعاصير الموسمية . وغير بعيد من المكان فقد رصد علماء البيئة تحركا لجبل جليدي ضخم تبلغ مساحته260 كيلومترا انفصل عن جزيرة جرينلاند ليطفو علي مياه المحيط الأطلنطي وهو مايؤشر علي حدوث تغييرات في مناخ القطب الشمالي ودخوله عصرا حارا لم يحدث منذ أكثر من ألفي عام يهدد برفع مستويات المحيطات والبحار وإغراق السواحل المطلة عليها وخاصة في المناطق المنخفضة كالبحر المتوسط ومن بينها دلتا مصر في حالة وصول معدل الارتفاع في مستوي المياه إلي متر عام 2100 وإذا وصل مستوي المياه في الخليج العربي إلي ثمانية أمتار فسوف يكون كفيلا بإغراق كل من الكويت وقطر وعمان والإمارات . وربما يعود المناخ القاسي في حرارته هذا الصيف لسبب آخر حيث كشف العلماء عن تغيرات تحدث للشمس - حسب دراسة ألمانية - تشير إلي أن الشمس في حالة تغير وأنها صارت أكثر إشعاعا مما كانت عليه قبل مئات السنين كما دخلت دورة احتراق عالية مما أثر سلبا علي مناخ الأرض ودرجة حرارتها. تعددت الأسباب مايحدث في مناخ الأرض ليس ببعيد عن ممارسات البشر خاصة في البلدان الصناعية الكبري بدءا من حروبها وما تستخدمه من أسلحة دمار شامل والتجارب النووية والصناعات الثقيلة التي تستخدم طاقة ضخمة وتنتج عوادم أكثر وكذا المستوي المعيشي لشعوبها والذي ليس لديها أدني استعداد للتخلي عنه وما ينتج عن استهلاكها من ملوثات للبيئة بل ورفض بعض دولها وفي مقدمتهم أمريكا تطبيق معايير الحفاظ علي البيئة وتقليل الانبعاثات الضارة بها خاصة ثاني أكسيد الكربون كما لاتزال بعض الدول كالصين تضر ببيئة العالم بسبب استمرار استخدام الفحم في صناعاتها كما أن عمليات اقتلاع الغابات الضخمة خاصة في منطقة الأمازون أسهم في تغير المناخ حول العالم ولكن الثمن الباهظ من نتائج التدمير المستمر للبيئة غالبا مايدفعه فقراء العالم الذين يعانون من التدهور المستمر في حياتهم الطبيعية وتقضي عليهم الأمراض الفتاكة والمجاعات وانعدام الخدمات الصحية والجهل والفقر وارتفاع معدلات الوفيات أي أنهم خارج النطاق الطبيعي للحياة كما يعيشها غيرهم في باقي العالم وتأتي الظروف المناخية المتدهورة لتزيد من معاناة الفقراء وتحول حياتهم البائسة إلي جحيم . وتشير دراسة لمجموعة دولية لدراسة المناخ إلي أن درجات حرارة الأرض سوف ترتفع مابين درجة ونصف إلي أكثر من خمس درجات ونصف من الآن وحتي عام 2100 كما سيصل عدد سكان الأرض إلي 15 مليار نسمة في نفس الفترة وكمية ثاني أكسيد الكربون ستكون أكبر بمرتين ونصف عما عليه الآن وهذا المعدل سوف يكون كارثيا ومدمرا للمناخ وأنه لاحل سوي تقليل إنبعاث هذا الغاز لاستمرار الحياة علي سطح الأرض. وظاهرة الاحتباس الحراري كما تشير الإحصائيات تتسبب في حدوث 150 ألف حالة وفاة سنويا نتيجة الأوبئة والحروق والتسمم وغيرها من الأسباب وأنه إذا لم يتمكن العالم من إيجاد الحلول لاحتواء الإحتباس الحراري بحلول عام 2015 فإن العالم سيدخل مرحلة اللاعودة ذلك لأن المناخ تضاعفت كوارثه أربع مرات خلال عقدين من الزمن . وأحدث الدراسات حول المناخ تشير إلي أن الأرض شهدت تغيرات مناخية خلال ال150 عاما الماضية كانت تستغرق ملايين السنين لحدوثها بفعل الطفرات في نمط الحياة البشرية والتطور التكنولوجي ودخول عصر الذرة والفضاء ورغم ما أحدثه هذا التقدم إلا أن الآثار الجانبية خاصة البيئية منها كانت لها نتائجها المدمرة علي الحياة الطبيعية للبشر . الحلول الصعبة المناخ المتدهورعالميا لاحلول جاهزة لوقف نتائجه الكارثية سوي حلول يشارك فيها العالم بأسره فلابد من وقف كافة التجارب النووية وتوقف سباق تطوير الأسلحة المحظورة والذي تقف وراءه مافيا دولية ولابد أن تتخذ الدول الصناعية الكبري خطوات جادة لحماية البيئة وتطبيق معايير اتفاقية كيوتو لخفض الإنبعاثات الضارة بالبيئة والتوقف عن إزالة الغابات الكثيفة بإعتبارها الرئة النظيفة للعالم والتي تسهم في امتصاص الجانب الأكبر من الغازات الضارة والسعي لتقديم المساعدات للدول الفقيرة من أجل تحسين الظروف المعيشية لسكانها والعمل علي مكافحة التلوث بكل أشكاله وتوفير البدائل لطاقة نظيفة غير ضارة بالبيئة والمناخ وإذا لم يحدث ذلك فإن الجميع سوف يتحمل النتائج المفزعة لتدهور المناخ في العالم من كوارث طبيعية سوف تمتد عبر قارات العالم وتشمل الدول المتقدمة والفقيرة علي حد سواء فالجميع لن ينجو من آثار ونتائج الفوضي العارمة في المناخ الأغنياء قبل الفقراء فالأرض التي تضمنا إما أنها ستكون مكانا صالحا للعيش أو جحيما مبكرا ولكن للجميع.