لا أعرف طالب جامعة المنصورة أحمد عبدالمجيد، الذى سأل جمال مبارك، أمين السياسات، سؤالاً عن التوريث خلال لقاء الرجل المثير للجدل مع طلاب الجامعات بمعهد إعداد القادة قبل أيام، ولا أعرف إن كان لحق به أى أذى بسبب سؤاله، ولا أستطيع أن أجزم كذلك، إذا كان جمال مبارك يتابع أمره ليتأكد بنفسه أن أحداً «لم يقترب منه» - حسبما وجه أثناء اللقاء. ما أعرفه أن توجيه جمال مبارك لضباط الأمن بقوله: «إوعى حد يقربله» هو اعتراف ضمنى، إن لم يكن مباشراً، بأنه كان من الممكن التنكيل بالشاب بسبب سؤال سأله، يعرف الجميع أنه يشغل الملايين فى مصر والعالم، وذلك على الأرجح لم يحدث بسبب اقتناع النظام بحرية التعبير، أو احترام أمن الجامعات بالحق فى السؤال، أو إيمان الإدارات الجامعية بفضيلة الحوار، لكن ذلك حدث فقط لأن جمال مبارك أراد ذلك. يكفى أن تقرأ تصريحات الدكتور سمير عبدالفتاح، وكيل معهد إعداد القادة، ل«المصرى اليوم»، التى قال فيها إنه عقب اللقاء طلب أحد ضباط الأمن من الطالب معرفة اسمه بالكامل، لكن جمال مبارك قال لهم «إوعوا حد يقرب منه»، وطلب من الدكتور هانى هلال، وزير التعليم العالى، والدكتور أحمد زايد، عميد المعهد، أن يتابعا هذا الموضوع وألا تتم محاسبة أى طالب يختلف فكرياً «وإلا فقدنا مصداقيتنا». مؤكداً: «ليس لدينا خطوط حمراء والنقاش مفتوح لأبعد حد، بشرط الالتزام بالقيم الأخلاقية». تستطيع أن تضع توجيه جمال مبارك فى سياق محدد، أنه إذا كان فعلاً مقتنعاً بأهمية عدم محاسبة من يختلفون فكرياً وضرر ذلك على المصداقية، فهو يعترف بهذا التوجيه الصارم على الأقل، بأن هذه القناعات تخصه كشخص فقط، ولا يؤمن بها النظام الذى يمثله، ولا الحزب الذى يعبر عنه، ولا الأجهزة الأمنية والإدارية التى تتعامل عادة مع أى سؤال «من خارج المقرر» يوجه لمسؤول على أنه خطيئة كبرى وإثم عظيم. عندما يقول جمال مبارك للضباط: «إوعوا حد يقربله» فهو يعترف بأنه لو لم يتدخل لحماية الطالب أحمد عبدالمجيد، لضاع وسط متاهات التحريات والتضييق الأمنى، ولوجد من ينكل به فى كل اتجاه من الجهات الأمنية، إلى الإدارة الجامعية، مثله مثل الآلاف الذين ينكل بهم فى الجامعات كل عام، لأنهم مختلفون مع الحزب الوطنى، فيحرمون من دخول الانتخابات الطلابية، ويرسبون فيما يسمى «كشف الأمن»، الذى يمثل أولى خطوات الترشح فى الانتخابات الطلابية، رغم عدم وجوده فى القانون. يردد الرجل «كلاماً جميلاً» عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، سنفترض أنه قناعاته الحقيقية، وليس للاستهلاك والشو الإعلامى، لكن ممارسات حزبه، والأجهزة التنفيذية التى تتبع حكومة حزبه، أبعد ما يكون عن «كلامه المعسول»، وتدخله لحماية طالب المنصورة «اعتراف عملى» بكل ذلك..! [email protected]