كثيراً ما يعترض طريقى، أينما ذهبت، أناس لا أعرفهم من مختلف الأعمار والطبقات والمستويات التعليمية، وعلى شفاههم ابتسامة ودودة ذات مغزى. وما إن يتأكدوا من شخصيتى حتى يتوجهوا إلىَّ بسؤال يكاد يكون واحداً: هل هناك أمل؟ وقد لمست بنفسى - من خلال مشاركتى فى مؤتمرات عديدة نظمتها «الجمعية الوطنية للتغيير» خلال الأسابيع القليلة الماضية وعقدت خارج العاصمة - كيف أن الغالبية العظمى من المصريين، على اختلاف مواقعهم وانتماءاتهم، تبدو متفقة على أمرين يستحقان التوقف عندهما بالتأمل والتحليل. الأمر الأول: وجود رغبة عارمة فى تغيير النظام القائم. والأمر الثانى: وجود شكوك عميقة حول القدرة على إحداث التغيير المأمول. ولا تقتصر الرغبة فى التغيير، وما يصاحبها من شكوك فى إمكانية حدوثه، على عامة الناس، كما قد يتصور البعض وإنما يمتد ليشمل أيضا جموع النخب المثقفة والنشطاء السياسيين. فهل من تفسير لهذه الازدواجية؟ أسباب وجود رغبة عميقة فى التغيير تبدو واضحة ويسهل تحقيق إجماع حولها. فعندما يحكم نظام من خلال سياسات لا تنتج على مدى ثلاثين عاما سوى مزيد من البطالة والفقر وغلاء المعيشة وتدهور الخدمات التعليمية والصحية، من الطبيعى أن يتشكك الناس فى جدواها وأن يطالبوا بسياسات بديلة لا يقدر على طرحها سوى قوى اجتماعية وسياسية مختلفة. ولأن الغالبية العظمى من المواطنين فقدت ثقتها فى إمكانية حدوث إصلاح من داخل نظام يقوده رجل فى خريف العمر وتسيطر عليه مجموعة فاسدة من رجال الأعمال، تسعى بكل ما أوتيت من قوة لنقل السلطة من الأب إلى الابن حفاطا على مصالح ضيقة تتناقض مع مصالح الشعب وأمنه الوطنى، فمن الطبيعى أن تترسخ لديها قناعة بوجوب تغيير النظام نفسه. لكن كيف وقوى المعارضة منقسمة على نفسها وليس لها قيادة موحدة قادرة على طرح رؤية بديلة؟ هنا من الطبيعى أن تتباين الطرق وتختلف الاجتهادات وأن ينبه بعضنا إلى خطورة استبدال ديكتاتور قائم بآخر قادم وأن يطالب بعضنا الآخر بضرورة تغيير الثقافة وليس الأشخاص.. إلخ. وهذا كلام جميل لكنه خطر ويصب فى مصلحة الإبقاء على الأمر الواقع الذى يستميت النظام الحاكم لتكريسه. لذا دعونا نتفق على أن «الجمعية الوطنية للتغيير» ليست حزبا وأن كل من يوقع على مطالبها السبعة يعد عضوا عاملا فيها. وحتى بافتراض افتقارها إلى قيادة يلتف حولها الجميع وإلى هيكل تنظيمى واضح وفعال، وهو انتقاد له ما يبرره فى الواقع، إلا أن ذلك لا يقلل إطلاقا من القدرة التعبوية لمطالبها كأداة لصنع التغيير، وهى مطالب تتركز حول: 1- إجراء انتخابات نزيهة وشفافة 2- فتح باب الترشح أمام المستقلين لخوض انتخابات الرئاسة. أزعم أن التفاف الشعب حول هذين المطلبين، حتى من خلال حركة عفوية غير منظمة أو ممأسسة، سيساعد، ليس فقط على إسقاط النظام القائم، وإنما أيضا على التمهيد لإيجاد بديل أفضل له. فالخطوة الأولى على طريق إيجاد البديل تبدأ بانتخاب نواب يمثلون إرادة الشعب، ورئيس دولة ينتخبه الشعب بإرادته الحرة. نعم قد لا تفرز هذه الانتخابات، حتى لو كانت حرة وشفافة، أفضل العناصر فى أوضاع كتلك التى تمر بها مصر حاليا، لكنها بالقطع ستفرز بديلا أفضل مما يمثله استمرار الوضع الراهن، وقابلاً للتطور. والمطلوب إحياء الأمل فى قدرة الشعب على إحداث التغيير، بدلا من بث اليأس فى نفوس الذين يعملون من أجله.