لطالما اهتم الاحتلال في تصعيده ضد خصومه باستخدام الوسائل «التكنولوجية» قبل العسكرية، وعند الحديث هنا عن هذه الوسائل، يبرز اسم «الوحدة 8200» الإسرائيلية، واحدة من أكبر الوحدات المتخصصة في الاستخبارات الإلكترونية عالميًا، والتي قال عنها رونين برجمان، خبير الشؤون الاستخبارية والأمنية بصحيفتيْ «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية و«نيويورك تايمز» إن مقرها للرصد والمتابعة بمنطقة «جليلوت» كان ضمن أهداف حزب الله خلال هجومه الذي شنه الأحد الماضي. أهميتها تُعرف «وحدة 8200»، بأنها عين «جيش الاحتلال» والعمود الفقري للاستخبارات الإلكترونية، إلى جانب اعتبارها جزءًا حيويًا من جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان). مما يضفي عليها أهمية كبيرة أن مهامها تتعلق بجمع المعلومات وتحليلها من خلال الوسائل التكنولوجية المتقدمة، ما يجعلها حجر الزاوية في المنظومة الأمنية الإسرائيلية. تأسيس الوحدة يرجع تاريخ الوحدة إلى خمسينيات القرن الماضي، أي في بدايات تأسيس دولة الاحتلال، والتى أدرك قادتها أهمية الاتصالات والمعلومات الاستخبارية لتعزيز وجود كيانهم في مواجهة دائرة عربية تحيط بهم، حيث ركزت مهماتها الأولى على اعتراض الاتصالات بين الجيوش العربية، خلال الصراع مع عدد من دولها. وبالنسبة لعدد أفرادها، فقد تكوّنت في البداية من مجموعة صغيرة من الفنيين والمتخصصين في فك الشفرات واعتراض الاتصالات، معتمدة على تقنيات وأدوات بدائية نسبية لمحدودية الموارد آنذاك. وبالرغم من محدودية الأدوات، جمعت الوحدة معلومات ساعدت «الجيش» الإسرائيلي في تحقيق فوز تكتيكي. مراحل التطور التكنولوجي وتدرجت الوحدة في التطور، في ظل التقدم السريع التي شهدته فترة ستينات وسبعينات القرن الماضي، إذ وسعت نطاق عملياتها لتشمل جمع المعلومات الإلكترونية وتحليلها بشكل أوسع. وبالنسبة لأفرادها، فقد تم تجنيد الأشخاص الذين لديهم خبرات في مجال الرياضيات، الهندسة، وعلوم الحاسوب. في الثمانينيات والتسعينيات، ومع دخول الحواسيب والأنظمة الرقمية إلى الأجهزة الاستخباراتية، أصبحت الوحدة (8200) في طليعة الوحدات العسكرية المتقدمة تكنولوجيًا. وبدأت الوحدة في استخدام تقنيات متقدمة في التجسس على الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتحليل البيانات باستخدام الحواسيب، ما منحها القدرة على فك الشيفرات المعقدة. الوحدة والفضاء السيبراني مع دخول الألفية الجديدة، أصبحت الوحدة 8200 واحدة من أكبر الوحدات المتخصصة في الاستخبارات الإلكترونية على مستوى العالم. وطورت الوحدة تقنياتها الهجومية والدفاعية، متقدمة في الفضاء السيبراني، بما في ذلك تطوير أدوات للتجسس الإلكتروني والهجمات السيبرانية. كما بدأ ظهور «الجيل السيبراني» من المجندين الذين يمتلكون مهارات في البرمجة، تحليل البيانات، والتعامل مع الأنظمة الرقمية المتطورة. ووفقا لهذا التطور فقد إزداد عدد أفراد الوحدة وتوسع في عملياتها، لتصبح ذات دور استراتيجي في توجيه السياسة الأمنية ل«إسرائيل». تم تعزيز التدريب والتعليم في الوحدة ليشمل تخصصات دقيقة مثل تحليل البيانات الضخم، الذكاء الاصطناعي، وتطوير البرمجيات المتقدمة، ما جعلها وجهة رئيسية للمجندين ذوي الخلفيات التقنية العالية. توسع عمليات الوحدة ولم تقتصر عمليات «الوحدة 8200» على المجال العسكري فحسب، بل امتدت لتشمل المجال المدني، حيث أصبح خريجو الوحدة متخصصين في صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية، إلى جانب إسهامهم في تطوير سوق «الهايتك» الإسرائيلية لتصبح في مواقع عالمية متقدمة. وأسس خريجو الوحدة العديد من الشركات الناشئة في مجالات مثل الأمن السيبراني، التكنولوجيا المالية، وتحليل البيانات، حيث يعد هؤلاء الخريجون أحد الأعمدة الأساسية في ما يعرف ب «أمة الشركات الناشئة» في «إسرائيل». وتعتمد الوحدة 8200 على التجسس واعتراض الاتصالات بمختلف أنواعها سواء كانت مكالمات هاتفية، أو رسائل نصية، أو اتصالات عبر الإنترنت. كما تستهدف أيضًا الرسائل المشفرة والبريد الإلكتروني، ما يسمح لها بجمع معلومات حساسة قد تكون حاسمة في تحديد تحركات الخصوم وأهدافهم. وتحلل الوحدة كميات ضخمة من المعلومات بشكل سريع، حيث تستخدم «خوارزميات» الذكاء الاصطناعي في رصد الأنماط السلوكية والتهديدات المحتملة، حيث يُعدّ هذا التحليل من أدوات اتخاذ القرار الرئيسية لدى القيادة الإسرائيلية. وتشارك الوحدة في شن هجمات سيبرانية ضد البنى التحتية الحساسة للخصوم، حيث تتضمن هذه الهجمات شل الأنظمة، اختراق الشبكات، واستهداف المنصات الإلكترونية، حيث يُعتقد أنها كانت وراء العديد من الهجمات الإلكترونية التي استهدفت دولًا معادية ل «إسرائيل»، من أبرزها الهجوم المعروف بفيروس «ستوكسنت» الذي استهدف البرنامج النووي الإيراني. ودوليا، تتعاون الوحدة بشكل وثيق مع أجهزة استخبارات لدول حليفة للاحتلال، حيث يشمل هذا التعاون تبادل المعلومات، والتنسيق في العمليات المشتركة، إلى جانب التعاون في تطوير تقنيات جديدة.