تتّجهُ الجزائر نحو اجراء انتخابات رئاسية في السَّابع من شهر سبتمبر المقبل، ظاهرها تعددية أقرّت منذ 35 عاما نصّ عليها دستور فبراير 1989م لكن باطنها تكريسا للمرشح الواحد، أو لنقل الأفضل والفائز قبل اجراء الانتخابات، بما قد يجعله في نظر كثيرين حقّاً أو باطلاً " سوبرمان عصره"، خاصّة إذا ما قُورن من ناحية الدعم والتأييد بالرؤساء السَّابقين. هذا القول إن سلّمنا به تنظيراً وتحليلاً قد يًشِي بانتكاسة على المستوى الممارسة الديمقراطية، ويضعنا أمام إشكاليّة أساسية، تقوم على السؤال الآتي: هل نحن ليس في الجزائر فقط وإنما في الدول العربية جميعها في حاجة إلى اجراء انتخابات، إذا كنا نعرف مسبقا من هو المرشح الفائز؟.. أليْسَ الاستفتاء على المرشح الواحد أفضل لنا، خاصة إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية التكاليف المادية للدولة؟ أحسب أن الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون، وهو المرشح أيضا لفترة ثانية، له الحظ الأوفر لجهة إعادة انتخابه لعهدة جديدة، وتبدو نتيجة فوزه مضمونة ومؤكدة، وربما لهذا السبب تسهم في حملته الانتخابية عدة أحزاب، بما فيها تلك التي تدّعي أنها الأكثر معارضة للسلطة، ناهيك عن لجان المساندة من كل مؤسسات الدولة، ومنها الجيش بوجه خاص، إضافة إلى قوى المجتمع المدني، ما يعني أنه مرشح الدولة والشعب والأحزاب المعارضة. ومن الناحيتين الحقيقية والواقعية، فإن علاقة عبد المجيد تبون بغالبية الشعب، خاصة الشباب، قد تعدُّ الأحسن في تاريخ الجزائر بين الحاكم والمحكومين منذ الاستقلال، ودعوته من طرف الشباب ب" عمّي تبون" تُبين التغير الحاصل في العلاقة بين السلطة والشعب في الجزائر على مستوى الخطاب أوّلاً، وعلى مستوى الفعل السياسي ثانياً، ذلك لأن الجزائريين عرفوا منذ تاريخهم القديم بالتمرد على سلطة الدولة المركزية، فكونهم اليوم يجمعون على حب وتقدير تبون، فهذا يتطلب إعادة النظر قراءةً وتحليلاً في حاضر الدولة الجزائرية ومستقبلها. تلك الحميمية في العلاقة الناتجة عن شعور عام بالتمثيل الحقيقي للشخصية الجزائرية العامة بكل ما تحمله الكلمة من معنى جعلت أحزاب المعارضة تخطب ود تبون، وأسرعت لدعمه، وتلك كانت فعلتها مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهي اليوم تعمل بتخطيط ووعي على أن تكون جزءا من فريق تبون، وبذلك تثقل كاهله بحمولتها، بما فيها تراجع لدورها كأحزاب معارضة، بل إنها تعمل طواعية لتكون من فريق" الموالاة"، مع أن تبون تقدم للانتخابات باعتباره مرشَّحاً مستقلا. الملاحظ أنه قبل انطلاق الحملات الانتخابية لمرشحي السباق الرئاسي في 15 من أغسطس الجاري، عمل قادة حزبيون، منهم من كان مرشحا منافسا لتبون في انتخابات 2019م، على دعم تبون جهارا، والثناء على فترته السابقة، لدرجة المبالغة في المنجزات التي حققها، ونتيجة لذلك وبعد ابعاد ملفات عشرة مرشحين آخرين من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بدا منافساه الآخران حساني شريف عبد العالي عن حركة مجتمع، ويوسف أوشيش عن جبهة القوى الاشتراكية أرنبي سباق، وفي أحسن الأحول مكلفين بمهمة لدى نظام الحكم الحالي. مهما تكن ادعاءات المعارضة في دعمها للرئيس عبد المجيد تبون، من ذلك تبرير مواقفها بالعمل على تحقيق المصلحة العليا للوطن في ظل أوضاع دولية صعبة، أو خوفها على مصير الوطن من أي توتر على مستوى الجبهة الداخلية، فإنها تدفع البلاد نحو تراجع ديمقراطي، سيجعل منها في الغد القريب أحزابا مهمشة، أكبر أماني قادتها هو تحقيق مصالحهم الشخصية. لاشك أن وجود قائد يمثل إجماعاً وطنيّاً مثل عبد المجيد تبون يساعد على المضي نحو تحقيق أهداف المشروع الوطني والدعم الشعبي له مهم، لكن دخول أحزب المعارضة بتأييد مصطنع هدفه الدخول في فضاء الحكم، وذلك لاقتناص المكاسب التي حققها تبون، أمر مخيف ويكشف عن عدم تحمل المعارضة لأعباء وحمولة العمل السياسي، وهذا لأنهم إن نجح تبون كانوا في الصف الأول، وإن فشل في مشروعه ولُّوا الأدبار على النحو الذي شاهدناه في تجربة الرئيس بوتفليقة. بقي أن الخريطة السياسية في الجزائر أوسع وأكبر بكثير مما تعتقد السلطة، وهذا حين عملت على تكريس فضاء سياسي في هذه الانتخابات مكون من ثلاث جبهات : جبهة تضم الأحزاب الوطنية التقليدية والحديثة وما يتبعها من منظمات، يمثلها من الباطن والظاهر تبون رغم استقلاليته.. وجبهة التيار الديني مختصرة في تنظيم حركة مجتمع السلم الإخوانية يمثلها في الظاهر شريف عبد العالي.. وجبهة ممثلة لقوى اجتماعية أخرى جاذبة أو طاردة، يقودها في الباطن أوشيش.