قبول دفعة جديدة من الجامعيين للعمل كضباط متخصصين بالقوات المسلحة.. الشروط وموعد التقدم    مياه البحيرة: الانتهاء من أعمال إصلاح خط مياه مدينة دمنهور الرئيسي    حزب المؤتمر: قضية محو الأمية ليست مجرد تحدٍ تعليمي    برلماني: زيارة الرئيس الألماني لمصر فرصة ذهبية لتعزيز الاستثمارات    وزير البترول يعتمد الجمعية العمومية لشركة الإسكندرية لتكرير البترول والبتروكيماويات    الزراعة تطلق 7 منافذ متحركة لبيع منتجاتها بأسعار مخفضة في العاصمة الإدارية    اللجنة المصرية الكويتية المشتركة توقع 10 مذكرات تفاهم    لافروف: الناتو ينقل إلى كييف بياناته الاستخبارية العسكرية    تشييع جثمان إيهاب جلال.. توافد إبراهيم حسن وعبد الحفيظ وعبد ربه (صور)    تعرف على برنامج الزمالك في كينيا    صراع بين برشلونة وريال مدريد على ضم نجم منتخب إسبانيا    ضبط 33 نسخة كتاب مختلف داخل مطبعة بدون تفويض في القليوبية    الأرصاد تكشف عن موعد انخفاض درجات الحرارة    تعرف على مواعيد عرض مسرحية عريس البحر على مسرح روابط    عمرو مصطفى يعيد توزيع "مشربتش من نيلها" بصوت جديد    تضامن الغربية: توقيع الكشف الطبي على 230 حالة بقافلة مجانية    الفريق أسامة ربيع يبحث سبل التعاون مع رئيس هيئة النقل السعودية في السياحة البحرية    حاضنة أعمال جامعة القاهرة تشارك فى مسابقة أولمبياد الشركات الناشئة    الدوري الألماني| ليفركوزن يسعى لتصحيح المسار.. وبايرن ميونخ يتطلع للثأر    حسن مصطفى: الأهلي يحتاج لمهاجم وجناح قوي    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2024 للقطاعين العام والخاص (3 أيام متتالية)    تراجع البيض واللحوم والدواجن.. أسعار السلع الأساسية اليوم الخميس (موقع رسمي)    المشدد 6 سنوات لربة منزل وزوجها لاتجارهما في الهيروين    بسبب شقة الزوجية.. مقتل شاب على يد أشقاء طليقته طعناً بالسكين بالفيوم    تكثيف أمني لضبط عصابة سرقة شركة الأدوية بكرداسة    بدء تلقي تظلمات الثانوية العامة الدور الثاني 2024    «إكسترا نيوز» تبرز عدد الوطن اليوم.. مصر تعرضت لأزمات ضخمة لا دخل لها بها    تفاصيل شجار بمكتب «نتنياهو» بين «بن غفير» و«سموتريتش» بسبب سجون جديدة    جون بون جوفي ينقذ امرأة من الانتحار (فيديو)    ترقية ومكافأة.. توقعات برج القوس اليوم 12 سبتمبر 2024    محطات فنية مهمة في ذكرى وفاة الموسيقار بليغ حمدي    علي الطيب يوضح موقفه بعد حذف بوست أثار جدلًا حول "عمر أفندي"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 12-9-2024 في محافظة قنا    هل باعت مصر حصتها؟.. خبير يكشف حقيقة بيع منجم السكري    هل يجب على طلاب المدارس تلقي تطعيم الإنفلونزا قبل الدراسة؟ هيئة الدواء تجيب    صحة المنيا: تقديم الخدمات الطبية ل 1415 مواطنا خلال قافلة مجانية بالسرارية    رئيس جامعة أسيوط يعلن بدء استخدام جهاز مسح القلب ثلاثي الأبعاد بالمستشفى الجامعي    صحة بني سويف توجه بإرسال فريق طبي للكشف على طفل اشتبه في إصابته بمتلازمة ستيفنز جونسون    المرور تضبط 33123 مخالفة مرورية متنوعة    وزير التربية والتعليم يبحث مع «حياة كريمة» تعزيز أوجه التعاون    وزير الدفاع يشهد تنفيذ مشروع مراكز القيادة الاستراتيجى التعبوي التخصصي للهيئة الهندسية    تشييع جثمان إيهاب جلال من مسجد حسن الشربتلى بالتجمع الخامس    أرتيتا يوافق على تمديد عقده مع آرسنال    مبابي يرفض وساطة رابطة الدوري الفرنسي لحل نزاعه المالي مع سان جيرمان    نادي الأسير الفلسطيني: الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة    هيئة الأسرى: الاحتلال شن حملة اعتقالات واسعة طالت 40 فلسطينيا    الصين تطالب مجلس الأمن ببذل مزيد من الجهود للتوصل لحل سياسي في السودان    كوريا الجنوبية توافق على بناء مفاعلين نوويين جديدين على الساحل الشرقي للبلاد    رئيس مياه سوهاج يتفقد أعمال تجديد محطتي "السكساكا" و"شطورة" ب54 مليون جنيه    عاشور يشهد حفل تخريج دفعة جديدة من معهد الهندسة بأكاديمية الشروق    وزير الدفاع يشهد تنفيذ مشروع مراكز القيادة الإستراتيجي للهيئة الهندسية    دفن جثة فتاة صدمها قطار في الشرابية    7 أدعية نبوية لتبديل الحال للأفضل    الإمارات تجلي 97 مصابا ومريضا من قطاع غزة للعلاج في أبوظبي    يوم إجازة المولد النبوي 2024 رسميًا.. «72 ساعة راحة» بعد قرار الحكومة    ابنة الموسيقار علي إسماعيل في وثائقي «سيرة الفن»: علاقة والدي بالسادات كانت مميزة    تعرف على دعاء الأرق وقلة النوم    حامد عز الدين يكتب: «فبأي آلاء ربكما تكذبان»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من «توظيف الأموال» إلى «توظيف الأحوال»!!
نشر في المصري اليوم يوم 21 - 08 - 2024

يُحكى، مع نهايات حقبة مأساة «توظيف الأموال» فى مصر فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى.. ومع تساقط أباطرة «البونزى» وامتثال بعضهم للعقوبات المكافئة للجرائم الكبرى التى مارسوها فى حق الاقتصاد والمجتمع- أن بقيت هالة الاحتيال متوهجة، وظلت الكذبة تثمر، حتى إن بعض مواطنينا الأعزاء- وبعدما علموا بإغلاق الشركات المحتالة ووجود رؤوسها فى السجون- قد استفسر عن إمكانية إيداع مدخراتهم «شقا عمرهم» لدى المحتالين «المحبوسين» لتوظيفها لهم من محابسهم!.
تبدو الرواية من فصول الكوميديا السوداء أو النكات السخيفة.. ولكنها ومن عجب كان لها حظ كبير من الواقع!. مازالت تلك النكتة الحقيقية- عمن أرادوا إيداع أموالهم لدى المحتالين فى محابسهم- تتردد أصداؤها أمامنا وفى سياق «بونزى» سياسى هذه المرة.. كلما نسمع حديثا عن أوان تعديل النظام الإقليمى الذى آن، وعن ضرورة احتواء إسرائيل كعضو فاعل فى نظام شرق أوسطى أوسع، يتجاوز الجامعة العربية التى باتت أثرًا بعد عين كما يرى هؤلاء المحللون.. وكلما نرى حديثًا عن وجوب دمج المجتمع الإسرائيلى اليهودى فى إطار المنظومة الاقتصادية والثقافية والأمنية بالضرورة لشعوب المنطقة العربية.. لينعم الكل بالسلام!!.
النكتة الحزينة فيما يقال، أنه يقال، وفكرة الصهيونية ذاتها- كما فكرة توظيف الأموال فى سابق- قد تعرت من كل منطق وبات تهافتها وضلالها لا يخفى حتى عن كثير ممن اعتنقوها أو دعموها، وكلٌّ لأسبابه.
النكتة المُرَّة أن يقال هذا، ومشروع إسرائيل ذاته- وهو المكافئ العملى والموضوعى لفكرة الصهيونية فى سياقيها الدينى والسياسى لإيجاد الحل السحرى لدول أوروبا للتخلص من اليهود القاطنين على أرضها- بات مشروعًا يتآكل ويتحلل من داخله.. ولم يبق له من أدوات بقاء إلا الولوغ فى دم أكثر، واعتماد وحشية أكثر حتى الجنون..
ولم يبق له من كل البريق الزائف- عن وهم واحة الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة، وعن العقلية الإسرائيلية القائدة علميًا واقتصاديا فى إقليم متراجع متخلف- إلا آلة عسكرية بربرية لا تعرف إلا الدمار والقتل والوحشية فى أحط صورها، حتى تبرأ منها الحيوانية.
«كذبة مطمئنة» أكثر مضيًا ورواجًا وتأثيرًا من «حقيقة مقلقة»!!
«الكذبة المطمئنة» أدعى للقعود والدعة وعدم الاستنفار أو التفكير فى اليوم والغد.. فكل شىء على ما يرام ولا بأس أن كل فساد سيصلح نفسه بنفسه، وكل معضلة «سيحلها ربنا بمعرفته» دون حل منا ولا عقد.. «الكذبة المطمئنة» لا حساب فيها على تفريط ولا احتساب على مفرط.
أما «الحقيقة المقلقة» فموجعة، تحث على التفكير فى شأن اليوم والغد، تحض على معرفة أصل العوار ومواجهة النفس بسوءاتها، كاشفة للأدعياء والمسوخ، والأهم فيها حساب على التفريط واحتساب على المفرطين واستبدال بعد استخلاف.
إقليمنا ومستقبله يراوح بين «كذبات مطمئنة» توجب الاستفاقة منها.. و«حقائق مقلقة» توجب الوفاء باستحقاقاتها!.
أما عن أول «كذبة مطمئنة» يستنام لها، فهى أن إسرائيل حقيقة تاريخية يلزم التعاطى معها دونما استدعاء لحق تاريخى يدحضها.. فالحق تقرره القوة، هكذا أرادتها البراجماتية الاستعمارية الغربية وهكذا علينا أن نقبل.
ومن «كذبة مطمئنة» نتعاطاها أيضًا، أن السلام- مع كيان استيطانى توسعى وجد بالأساس لإعاقة كل إمكانات الاستقرار والتنمية لدولنا العربية وضمان فزاعة تستدعى التواجد الأمريكى- هو ذات الطريق للتفرغ للتنمية والاستقرار!.
ومن «كذبة مطمئنة» نلوكها حالًا لا مقالًا، فى أن قضية فلسطين هى شأن هؤلاء المنكوبين فى فلسطين وحدهم.. وأن لا شأن للعرب بها وأن الاكتفاء بالحديث عنها فى معرض الاستهلاك السياسى وتفريغ المشاعر الدينية للشعوب أضمن لاستقرار الإقليم وأجدى لانطلاق الشعوب.
و«الكذبة المطمئنة» أخيرًا.. أن إسرائيل ربيبة الغرب ولها من الدعم ما لا يفنى وأن النظام العالمى مازال أحادى القطب غربى الولاء، لا راد لتجبرهم ولا قبل لنا بهم.. ولذا فالصمت المهين أولى.
وأما عن «الحقيقة المقلقة» فواقعنا لا يعدمها.. ولكن نحن من يراوغها.. فها هى فكرة إسرائيل تشحب وتفقد جدواها بالتدريج لدى من أنشأوها بعدما صارت وعلى نحو كبير مصدرًا لتفجير غير محسوب للإقليم، تتجاوز شظاياه إلى حوزات مصالح الغرب ذاته والتى من أجلها أنشئت إسرائيل، وقد تنتهى بكابوس عودة مطاريد أوروبا من اليهود إليها نازحين من جديد.. تلك «حقيقة مقلقة» ننكرها وهى كوهج الشمس.
ومن «الحقيقة المقلقة»، أننا بصدد نظام عالمى متعدد الأقطاب، وإن بقى بعض من نزر ما كان من مصالح تاريخية للغرب مع إسرائيل، فإن مصالح الشرق فى الصين وروسيا والجنوب السياسى فى أمريكا اللاتينية وما يبزغ من دول واعدة فى آسيا وإفريقيا تتشكل بعيدًا عن السردية الغربية للمصالح فى المنطقة العربية والتى كانت إسرائيل فى متنها دائمًا.
ومن «الحقيقة المقلقة»، أن الإنفاق العسكرى وحده وقوة الجيوش الصلبة- والواجبة والتى لا مراء فيها- ليست منشئة ولا ضامنة لحقائق الأمن القومى لدول الإقليم، وأن قدرات الشعوب ذاتها فيما يتجاوز القدرة العسكرية المباشرة إبداعًا وعلمًا واقتصادًا وثقافة، وحلمًا مستودعًا فى وطن يملكه أبناؤه كل أبنائه، هى المنشئة والضامنة والمديمة لحقائق الأمن القومى.
ومن «الحقيقة المقلقة» المحرجة.. أن ظل المقاومة مهما كان شاحبًا وبقدرات بدائية كقدرات حماس، وأيا ما كان وازعه ومحركه كدور إيران وأطرافها الإقليميين من حزب الله وأنصار الله وغيرهما، يبقى هو اللغة الوحيدة القابلة للتعاطى مع إسرائيل ومن خلفها، وإلا ما كان الركض الأمريكى والأوروبى مؤخرًا، لمحاولة إتمام صفقة وقف إطلاق النار خوفًا من مغبة فعل انتقامى إيرانى لمقتل إسماعيل هنية وفؤاد شكر.. حقيقة نجحدها ونحن نعيشها كل لحظة.
ومن اليقين المقلق جدًا، أن الصراع العربى الإسرائيلى ما زال صراع «وجود»، لا صراع «حدود».. يقين نخافه حتى لا نفى استحقاقاته.
منذ عدة أسابيع صدر للمؤرخ اليهودى العاقل «إيلان بابى» كتاب باسم «اللوبى الصهيونى على ضفتى الأطلنطى».. قد يعين من لا يزالون منا يراوغون الحقيقة ويهجعون للكذب.
يرصد «بابى» فى كتابه بإنصاف تاريخى وأمانة علمية كعادته تاريخ نشأة جماعات الدعم للفكرة الصهيونية «اللوبى الصهيونى» وأدوات وتطور ذاك الدعم.. ولكن والأهم أن يسوق «إيلان بابى»- وهو بالمناسبة صهيونى النشأة- الدلائل على تفتت إسرائيل من الداخل ونهاية المشروع ذاته.. كما يقطع فى كتابه بأن اللوبى الصهيونى الذى يملك من الموارد ما لا ينفد ماديًا وعسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا بات فى حالة تيه تام تقارب الشلل أمام صحوة الضمير العالمى فى شرق وغرب!.
فلا سيطرة اللوبى الصهيونى على وسائل الإعلام التقليدية باتت تفلح أمام إعلام المواطن فى شبكات التواصل، ولا التغلغل لمواقع صنع القرار صار ذا قيمة أمام شارع بات لا يستقى وعيه من أوامر عليا، ولا السردية التاريخية أصبح لها أى حظ من تماسك بعد أن صارت مهلهلة أمام وقائع تاريخ وحقائقه أصبحت مشاعا لكل واع ذى عينين.. وبعد أن صارت قضية فلسطين علمًا على طلب العدل فى الدنيا.
وقبل «بابى» بعدة أيام وفى يونيو من هذا العام أيضًا، يصدر للكاتب «آدم شاتز» مقال بعنوان «هبوط إسرائيل» فى دورية «مراجعة الكتب اللندنية» LRB.. حيث يؤكد الرؤية الإسرائيلية الموحدة لدى كل أطياف تلك العصبة المستعمرة فى فلسطين والعازمة على استئصال كل ما هو عربى والسطو على المقدرات والتاريخ قبلها، ليس فى فلسطين فقط ولكن فى المحيط الأوسع.. ويصف مدى سادية ووحشية ذلك المجتمع اليهودى فى إسرائيل والانحطاط النفسى لكل من فيه حكاما ومحكومين.. والذى يجعل من هرولة دولنا العربية للتطبيع أو التسليم مع هكذا كيان.. كمن يودع مستقبله طواعية لدى اللص المحتال.. وليصير الأمر هذه المرة متجاوزًا ائتمان المحتال على «توظيف الأموال» إلى ائتمان المحتل على «توظيف الأحوال»!.
كانت تلك بعضا من «حقائق مقلقة».. تقض مضجع من مازالوا يحيون ضلالات الكذبات المطمئنة، ممن لا يرون فى غزة إلا الدمار، ولا يرون فى إسرائيل وحلفائها إلا القوة التى لا تقهر، ولا يرون من الحياة باسم البراجماتية إلا ضرورة الرضوخ.. وممن يروجون لوجوب إيداع مستقبل المنطقة فى يد نظام إقليمى يشرعن كل جرائم إسرائيل بدعوى إبطال ذرائع الصراع وتحييد أسبابه.. مشرعنين بذلك منظومة للاحتيال السياسى والاقتصادى ل «توظيف أحوال» المنطقة وبالأحرى إنهاكها واغتصاب مقدراتها.
ما بين «توظيف الأموال» و«توظيف الأحوال» يظل «المحتالون والمغفلون» هم طرفى النكبة.. ولكن ظنى أن «الغفلة» ليست قدرًا ولا وظيفة تاريخية.. إلا لمن أرادها كذلك!!.
فَكِّرُوا تَصِحُّوا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.