وسط تصاعد التوترات بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، على نحو ينذر باتساع دائرة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، أثيرت التساؤلات حول احتمالية نشوب حرب موسعة في المنطقة وكيف يمكن أن تتأثر أطراف تلك الحرب حال اشتعالها. وارتفع التوتر والتصعيد المتدرج على الحدود الملتهبة في الجبهة المحاذية للجنوب اللبنانى، مع استمرار هالة الغموض التي يحيط بها حزب الله وخلفه إيران على موعد خططهما «لمهاجمة إسرائيل» ردًّا على اغتيال القيادى بحزب الله فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنية. كيف تنظر إسرائيل لقوة إيران؟ عقد الباحث بمركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجماعة تل أبيب، يهوشوع كليسكى مقارنة بين القدرات الصاروخية لإيران وخلفها محور المقاومة من جانب والتقنيات التي يمتلكها الطيران الإسرائيلي من جانب آخر. وأقر الباحث الإسرائيلي، في مقال نشره مركز درايات الأمن القومي الإسرائلي اليوم تحت عنوان «قدرات محور المقاومة مقابل قدرات الجيش الإسرائيلي» بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُعد قوة صاروخية بالستية لا يستهان بها؛ إذ تمتلك إيران حوالى 3.000 صاروخ بالستى بعيد المدى ودقيق، بعض منها قابل للمناورة وقادر على حمل شحنات متفجرة كبيرة. وضمن ترسانة إيران الصاروخية، الصواريخ البالستية «خيبر» و«شهاب 3» و«سجيل» وهى صواريخ تتمتع بمدى يصل إلى 2.000 كيلومتر، وتستطيع حمل شحنات متفجرة يصل وزنها إلى 1.500 كيلوجرام، وذلك إضافة إلى امتلاك إيران صواريخ «كروز» من طراز «سومر» التي يصل مداها بين 2.000 و3.000 كيلومتر، لافتا إلى أن لديها القدرة على حمل شحنات متفجرة بوزن يصل إلى 500 كيلوجرام. أسطول من الطائرات الانقضاضية والمسيرات الشبحية وأضاف في مقاله :«تمتلك إيران أسطولًا من الطائرات الهجومية الانقضاضية بدون طيار طويلة المدى، وهى طائرات معظمها انتحارية بموديلات مختلفة، مثل «أبابيل»، و«شاهد 136، 131، و101». تتمتع الطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع بميزات تجعل من الصعب رصدها بالرادار في وقت مبكر، وذلك نظرا لأبعادها الصغيرة نسبيًا، وقدرتها على المناورة، إضافة إلى تزويدها بالقدرات الشبحية، وإمكانية استخدامها في هجمات بأسراب». وذكر أن حزب الله، الحليف الإيرانى القابع على «الحدود الشمالية لإسرائيل» يمتلك هو الآخر ترسانة صواريخ وطائرات بدون طيار قادرة على استهداف معظم مناطق «إسرائيل»؛ إذ تقدر الاستخبارات الإسرائيلية أن لدى حزب الله آلاف الصواريخ والقذائف، بما في ذلك 1.500 صاروخ دقيق بمدى يصل بين 250 و300 كيلومتر، وذلك إضافة لأسطول حزب الله من الطائرات بدون طيار الذي يضم نماذج إيرانية مختلفة، أهمها «أبابيل-2T.»، كما أن الحوثيين يمتلكون قدرات مهمة من الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار طويلة المدى. إسرائيل تمتلك نظامًا متعدد الطبقات وتابع الباحث الإسرائيلي في مقاله: «فى المقابل علينا أن نتذكر أن «إسرائيل» تمتلك نظام دفاع جويًا متعدد الطبقات على الصعيدين الدفاعى والهجومى وهو نظام قادر على تحييد تهديدات الصواريخ والقذائف البالستية سواء على المدى القريب أو البعيد»، مسترسلا بأنه على الصعيد الدفاعى: لدى إسرائيل «القبة الحديدية» و«مقلاع داوود»، المصممان لاعتراض الصواريخ والقذائف متوسطة وقصيرة المدى، فضلا عن امتلاك طبقة حماية إضافية لاعتراض الصواريخ البالستية بعيدة المدى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لدى إسرائيل تقنية «السهم 2» ذات القدرات الدفاعية التي يمكنها اعتراض الصواريخ البالستية على المدى البعيد و«السهم 3» القادرة على اعتراض الصواريخ البالستية التي تناور في الفضاء، على مدى يبعد عن إسرائيل. علاوة على ذلك، يحوز سلاح الجو في الجيش الإسرائيلى قدرات فائقة في اعتراض الطائرات بدون طيار وصواريخ الكروز، الأمر الذي تم إثباته خلال الهجوم الإيرانى في 13-14 إبريل الماضى. وبحسب الباحث، وفيما يتعلق بالقدرات الهجومية، لدى الجيش الإسرائيلى فلديه قدرات لتنفيذ هجوم استباقى لتدمير مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار، عند تلقى تحذير استخباراتى حول استعدادات للإطلاق، وكذلك القدرة على الرد السريع باستخدام أسلحة دقيقة، الأمر الذي تم إثباته في رد إسرائيل على الهجوم الإيرانى. طهران جادة في الانتقام وفي إطار الرد على رؤية إسرائيل لميزان القوى، قال الباحث الإيراني، محمد على صنوبري، مدير ورئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية في تصريحات خاصة ل«المصري اليوم» إن «لدى طهران نية محققة للانتقام من انتهاك سيادتها». وأضاف المحلل الإيراني أن «اغتيال إسماعيل هنية في طهران على يد الكيان الصهيوني يمثل أكثر من مجرد تصعيد في الصراع الشرق أوسطي المتوتر بالفعل. وفي هذا السيناريو، لا يتحول الضوء إلى جرأة الفعل فحسب، بل إلى تأخير إيران المدروس والمتعمد في ردها» معتبرا أن «هذا التأخير بعيد كل البعد عن كونه علامة على التردد أو الضعف؛ بل إنه يجسد الصبر الاستراتيجي الذي زرعته إيران بدقة على مدى عقود من المناورات الجيوسياسية مع أعدائها» وفق تعبيره. وتابع: «إن النهج المدروس الذي تنتهجه إيران يشير إلى أنها لا تستعد لضربة انتقامية فحسب، بل إن الغموض الذي يحيط بموعد وكيفية الرد يشير إلى نية إيران تغيير ديناميكيات القوة الإقليمية بشكل جذري». إعادة صياغة المشهد الاستراتيجي وتابع صونوبري أن «طهران، التي طالما وضعت نفسها في موقع القوة الرائدة للمقاومة ضد الهيمنة الإسرائيلية والغربية في الشرق الأوسط، مستعدة لاستغلال هذه اللحظة لإعادة المشهد الاستراتيجي لصالحها» معتبرا أن توقيت وتنفيذ ردها من المرجح أن يكون مصممًا لتعظيم التأثير السياسي والعسكري، وضمان أن تنتشر التداعيات عبر المنطقة، وربما العالم. حلقة خانقة حول عنق إسرائيل واسترسل المحلل الإيراني متحدثا عن «محور المقاومة» تلك الحلقة الخانقة التي صنعتها إيران حول عنق إسرائيل لافتا إلى أن دعم «حلقة النار» حول إسرائيل من خلال التحالفات التي أوجدتها طهران في لبنان واليمن والعراق، يشير إلى أنه لا تستعد إيران لفعل انتقامي فردي فحسب؛ بل إنها تضع الأساس لتحد مستدام ومتعدد الأوجه لأمن الكيان المحتل وداعميه. وتعمل كل من هذه الجبهات كنقطة ضغط، ونقطة اشتعال محتملة يمكن لطهران تفعيلها متى شاءت، ما يخلق حالة دائمة من الضعف للصهاينة. واسترسل بأن تأخير إيران في الرد يمكن أن يُنظَر إليه على أنه طريقة لإعداد ساحة المعركة ليس فقط من الناحية المادية ولكن في مجالات السرد والإدراك. ومن خلال الامتناع عن اتخاذ إجراء فوري، تجبر إيران خصومها على حالة من الترقب القلق، حيث يكون كل قرار محفوفًا بعدم اليقين، وقد تكون كل خطوة بمثابة خطوة خاطئة. وتشكل هذه الحرب النفسية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية إيران مثل أي ضربة صاروخية أو بطائرة بدون طيار، وتمثل شكلاً متطوراً من أشكال القوة الناعمة التي تكمّل قدراتها في مجال القوة الصلبة. واختتم بأن رد إيران سوف «يغير قواعد اللعبة» إلى الأبد وسوف يعمل على إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية والعالمية. والواقع أن النظام العالمي الأحادي القطب الحالي، الذي تهيمن عليه القوى الغربية، هو على وجه التحديد ما تسعى إيران وحلفاؤها إلى زعزعة استقراره.