بروفايل: صانع السياسة الخارجية.. قرن من الدبلوماسية

عن عمر يناهز 100 عام، رحل مساء أمس الأول، الدبلوماسى الأمريكى الأشهر، هنرى كيسنجر الذي يوصف ب «ثعلب» الدبلوماسية الأمريكية، وأعلنت مؤسسته «كيسنجر أسوشيتس»، أن كيسنجر الذي كان وزيرا للخارجية في عهدى الرئيسين، ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد، وأدى دورا دبلوماسيا محوريا خلال الحرب الباردة «توفى في منزله بولاية كونيتيكت».
ولد كيسنجر في ولاية بافاريا الألمانية عام 1923، وكان يبلغ من العمر15 عامًا عندما فر والداه اليهوديان إلى نيويورك خوفًا من ملاحقة اليهود في ألمانيا، وبتغيير اسمه إلى هنرى أصبح مواطنًا أمريكيًا عام 1943، وبعد إنهاء المدرسة والخدمة العسكرية، درس كيسنجر في هارفارد، ودرّس فيها لاحقًا، وخلال عام 1969، عينه الرئيس الأمريكى الأسبق، ريتشارد نيكسون، مستشارا للأمن القومى، وبعد ذلك وزيرًا للخارجية.
في الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، تعرض نيكسون وكيسنجر لانتقادات شديدة؛ بسبب ميلهما نحو باكستان، وسُمع كيسنجر وهو يصف الهنود ب«الأوغاد»، وهو تعبير قال لاحقًا إنه «يندم عليه»، وفى عام 1972 أعلن أن «السلام في متناول اليد» في فيتنام.
ومُنح كيسنجر جائزة نوبل للسلام مناصفة مع نظيره الفيتنامى الشمالى، لى دوك ثو، بعد توصل الرجلين إلى اتفاقية باريس للسلام عام 1973 التي أنهت الحرب الفيتنامية، لكنها كانت واحدة من أكثر الجوائز إثارة للجدل، كما أدت جهوده إلى الانفتاح الدبلوماسى الأمريكى مع الصين، والمحادثات التاريخية بين أمريكا والاتحاد السوفيتى للحد من الأسلحة الاستراتيجية، ومن أبرز إنجازاته الإعداد لزيارة نيكسون للصين عام 1972.
وفيما يتعلق بالدور الذي لعبه في الصراع العربى- الإسرائيلى، في سبعينيات القرن الماضى، شكل ما يعرف باسم «الدبلوماسية المكوكية» للفصل بين القوات الإسرائيلية والعربية بعد تداعيات حرب أكتوبر عام 1973، وابتداء من يناير 1974، ذهب إلى الشرق الأوسط 11 مرة للترويج لاتفاقيات فض الاشتباك العسكرى، وأجرى رحلات «مكوكية» بين القدس ودمشق، ساعدته في صياغة اتفاقية «فك الاشتباك» في عام 1974 بين سوريا وإسرائيل في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
تضاءل عهد كيسنجر، كمهندس رئيسى للسياسة الخارجية الأمريكية، مع استقالة نيكسون وسط فضيحة «ووترجيت»؛ ومع ذلك استمر في كونه قوة دبلوماسية كوزير للخارجية في عهد خليفة نيكسون، الرئيس جيرالد فورد، وفى تقديم آراء قوية.
وعندما خسر فورد أمام جيمى كارتر في الانتخابات عام 1976، بدأت أيام كيسنجر تنتهى، وترك منصبه في أروقة السلطة، فيما نأى الجمهورى التالى في البيت الأبيض رونالد ريجان، بنفسه عن كيسنجر، الذي اعتبره خارجًا عن دائرة ناخبيه المحافظة.