آثار اللهب على الجدران تلاحظه من بعيد، السيدات متشحات بالسواد، الأنظار تشخص تجاه عقار سكنى، سيارات الإسعاف تأتى واحدة تلو الأخرى ولسان حال الأهالى يردد «يارب كفاية لحد كده»، بكاؤهم يعلو مع نزول سيدة وأبنائها ال3 داخل أكياس بلاستيكية سوداء، بينما يمضون إلى المستشفى، فيما نٌقل رب الأسرة الناجى الوحيد من حريق شقتهم إلى غرفة العناية المركزة يتلقى العلاج جراء الاختناق الذي دمر الأسرة المنكوبة. عمر قبيل الفجر، اشتعلت النيران داخل شقة «محمود»، الشاب الثلاثينى، في الطالبية بالجيزة، لشدة لهيبها كان الجيران يتراجعون خشية فقد حياتهم حين أقدموا لإطفائها بالوسائل البدائية مستخدمين «الجرادل وخراطيم المياه»، ما استلزم الاتصال بالمطافئ التي حضرت فورًا رفقتها 3 سيارات وتمكنت من إخماد النار بعد ساعتين كاملتين أتت خلالهما على محتويات المسكن وحولته إلى كُتلة رماد. لوجى قوات الحماية المدنية، بحثت عن ناجين، فعثرت على مالك الشقة «محمود»، كان مخنوقًا لم يستطع النطق، أشار بيديه، ما يعنى «ولادى ومراتى»، وتلك المرة كانت الفاجعة ماثلة أمامهم، وجدوا الزوجة (علياء)- وأطفالها (عمر)، و(لوجى)، و(فؤاد) أصغرهم 4 سنوات، وقد لفظوا أنفاسهم. وأفاد شهود عيان، لجهات التحقيقات، بأن «النار فضلت شغالة وكل أفراد الأسرة جوه الشقة وقتا طويلا». فؤاد المسعفون نقلوا جثامين الضحايا إلى عربات الإسعاف حيث نقلهم إلى مستشفى أم المصريين تحت تصرف النيابة العامة لمناظرتها، إذ كتب وكيل النائب العام بصدر قراره بالتصريح بالدفن نعيًا لتلك الأسرة، فيما حضر أقاربهم تسبقهم صرخات مدّوية، أبكت معها كل المحيطين بثلاجة حفظ الموتى، وبرز صوت إحداهن تردد: «العيال وأمهم ماتوا». نظرة الوداع على جثامين الضحايا، أجبرت امرأة مكلومة أن تضرب بيديها على جسمها، قائلة إن الطفلين «فؤاد»، و«لوجى» ماتا محتضنين بعضهما في منظر قاسِ تأبى الذاكرة على نسيانه، إذ كانا متفحمين. وأحد الجيران يقدم نفسه باعتباره صديقًا للأسرة المنكوبة، يقول إن «محمود» قابله ليلًا وتحدث إليه سريعًا وقال له «هطلع أنام عشان هودى عيالى الكبار المدرسة، في كى جى وان وأولى ابتدائى»، يضيف: «مش مصدق نفسى أصحى على انتهاء أسرة صاحبى». وبمحيط المنزل محل الحريق، كانت ألعاب الأطفال الضحايا محترقة لتطالعها الأمهات يصعب عليهن الحال: «يارب صبر قلب أبوهم»، بينما يستنكر آخرون «اللى حصله ده مش هيخليه يعرف يكمل بحياته». فريق من النيابة، انتقل إلى الشقة محل الحريق وطلب من الأدلة الجنائية إجراء المعاينات اللازمة وبيان بداية اشتعال النيران ونهايتها والأدوات المستخدمة في إحداثها للتأكد من عدم وقوع شبهة جنائية، واتضح مبدئيًا أن ماسًا كهربائيا وراء الواقعة. وطلبت النيابة تحريات تكميلية لأجهزة الأمن واستدعاء مالك العقار محل الواقعة، وأسرة الضحية لسماع إفادتهم. وقال عدد من شهود العيان من سكان العقار الذي شهد الواقعة، إن المجنى عليهم عادوا في ساعة متأخرة من زيارة أحد أقاربهم إلى منزلهم وبعد ساعتين من عودتهم فوجئوا بانبعاث الدخان من الشقة ولم يتمكنوا من إنقاذهم لامتداد ألسنه الحريق حتى باب الشقة، واتصلوا بالحماية المدنية التي حضرت على الفور، وتبين مصرع الأم وأطفالها الثلاثة ونقل الأب إلى المستشفى لإسعافه. وكشفت التحريات المبدئية أن الحريق نشب نتيجة ماس كهربائى من الثلاجة، وامتدت ألسنة النيران من المطبخ إلى باقى أرجاء الشقة.
