كتاب «المحافظون فى مصر واللامركزية - 1960 إلى 2020 - السويس نموذجا»، للباحث والكاتب الصحفى والسياسى عبد الحميد كمال، يتضمن أطروحته التى نال بها الدكتوراه مؤخرا من جامعة قناة السويس. الكتاب الذى طبعته شركة الأمل للطباعة والنشر وتقوم بتوزيعه الأهرام، يفتح مجددا باب النقاش حول الرسائل العلمية التى يقوم بها أهل الكادر الجامعى، وتلك التى يقوم بها آخرون احتكوا بمواقع العمل التنفيذى، مثل رسائل موظفى الجمارك والضرائب أو قطاعات الأمن الداخلى أو الرى، أو احتكوا بالعمل الشعبى فى البرلمان والمحليات، ومن النوع الأخير الدكتور عبد الحميد كمال. هناك فارق ملحوظ يتمثل فى عناية الأكاديميين بالمنهج والتنظير، وكذا بتقديم حلول أو توصيات للمدى البعيد، بينما يميل النوع الثانى إلى الجانب التطبيقى، وتقديم المعلومات الدالة واستخلاص دروس وعبر وحلول لمشاكل ملحة تشريعية أو لائحية أو إجرائية أو مالية أو إدارية أو مجتمعية عاينوها أو عانوا منها بأنفسهم. وقد حاول الدكتور عبد الحميد فى الكتاب أن يجود بكل خبراته كنائب سابق وكعضو سابق فى مجلس محلى محافظة السويس، ومتابع صحفى يقظ، من أجل إيجاد حل للمعضلة التى لم نستقر فى مصر على حل لها بعد، وهى إيجاد التوازن الفعال بين المركزية واللامركزية وإطلاق طاقات محافظى ومحافظات مصر فى العمل، وبالتبعية إعادة النظر فى طرق تعيينهم ومحاسبتهم وفق معايير موضوعية معروفة. وقدم عبد الحميد بحثا استقلالية معمقا، فوق ما هو مطلوب من باحث دكتوراه، إيمانا منه بأنه يقوم بمهمة سياسية بقدر ما هى علمية، ولذا نجد فى الكتاب قدرا مذهلا من المعلومات عن المحافظين ومؤهلاتهم وتقييماتهم وعلاقتهم بالرأى العام والتحديات التى واجهتهم ولا تزال، وذلك فى أزمنة ناصر والسادات ومبارك والمجلس العسكرى ومرسى وعدلى منصور والسيسى. كما قدم معلومات غزيرة وشاملة عن حالة السويس، محافظته، ومناط الدراسة. على مدار أربعة فصول تم استعراض نشأة المحافظين فى مصر، والأوضاع القانونية والمهام والسلطات المفوضة للمحافظين منذ بدء النظام الحديث للإدارة المحلية فى الستينيات وحتى آخر حركة (قرار) صدر بتعيين المحافظين من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسى حتى الانتهاء من الدراسة 2021م. فضلا عن النظر لأهمية المشكلات السياسية والاجتماعية والإدارية التى تواجه المحافظين وتحد من قدراتهم على الأداء الأفضل لدورهم فى التنمية المحلية، وتقديم الخدمات للمواطنين، واضعا فى الاعتبار طريقة التعيين والاختيار للمحافظين، وقصر فترة عملهم، والتحديات التشريعية بين الإدارة المركزية والمحلية. مستخلصا توصيات ونتائج لتكون تهم الباحثين والمهتمين بالشأن المحلى وصانعى القرار من أجل تحقيق اللامركزية على ضوء المتغيرات فى ضوء دستور 2014، والمفاضلة بين التعيين والانتخاب المباشر للمحافظين. وكشف الدكتور عبد الحميد كمال أن اختيار المحافظين فى مصر يسير فى اتجاه واحد هو التعيين لهذه الوظيفة الهامة، وقد تم تعيين 472 محافظاً خلال فترة البحث «1960 - 2020»، شملت 60 محافظاً فترة الرئيس عبد الناصر. ثم تعيين 94 محافظاً فترة الرئيس السادات، ثم 136 محافظاً أثناء حكم الرئيس مبارك، وشهدت الفترة الانتقالية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة 40 محافظاً، وفى فترة الرئيس مرسى تم تعيين 44 محافظاً، تأتى بعدها فترة المستشار عدلى منصور 28 محافظاً، ثم فترة الرئيس عبد الفتاح السيسى 82 محافظاً حتى إعداد الدراسة. ولعله من الجدير بالملاحظة عند حساب متوسط حركة تغيير المحافظين خلال العام نجد أنه: (إجمالى عدد المحافظين خلال ال 60 عاماً مقسوماً على 60 عاماً) = 472 محافظاً على 60 عاماً = 7.9 محافظ كل عام، أى أنه يتم تعيين 8 محافظين تقريباً كل عام. مما يدل على قصر متوسط عمر المحافظ الوظيفى فى توليه سلطات المحافظة، الأمر الذى يؤثر سلباً على خدمات المواطنين بالمحافظات، ويحد من عملية التنمية داخل المحليات بمستوياتها الخمسة: المحافظات - المدن - المراكز - الأحياء - والقرى. كانت المنابع الأساسية لاختيار تعيين المحافظين تأتى من وزارت وهيئات عامة. منها حسب الترتيب من حيث عدد المحافظين (الدفاع - الداخلية - القضاء، ثم التعليم العالى)، وتأتى بنسب أقل من بعض القيادات السياسية وبعض الوظائف المدنية الأخرى. كما أن طريقة اختيار المحافظين طوال السنوات السابقة المحددة بفترة الدراسة 1960 - 2020 وحتى الآن تأتى عن طريق التعيين فقط. ولم يتم تفعيل المفاضلة بين طريقة التعيين والانتخاب للمحافظين وفق نص المادة (179) ينظم القانون شروط وطريقة «تعيين أو انتخاب» المحافظين ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى، ويحدد اختصاصاتهم، وهو مكسب ديمقراطى هام تحقق مع الدستور الحالى. رصدت الدراسة أن أهم تحديات تواجه المحافظين هى: غياب قانون ينظم عمل المحافظين من حيث شروط الوظيف وصلاحياتها الأصلية فى نطاق المحافظة - الفترة الزمنية لدورة عملهم المركزية الشديدة، وطريقة الأداء والاختيار. عدم وجود موازنات مستقلة للمحافظات وتحديد موازنات مالية للمحافظات عن طريق وزارة المالية ومجلس الوزراء. وفى النهاية أوصت الدراسة ب: حسن توزيع الاختصاصات بين المحافظ والقيادات المحلية فى المستويات الدنيا المحلية. وضع سلطات ومهام محددة للمحافظ فى القانون، مع مراعاة توازن حجم الصلاحيات مع المسؤوليات، وتنظيم الرقابة والمحاسبة والمساءلة القانونية. وضع مؤشرات لقياس أداء المحافظ لمهامه حسب القوانين واللوائح. وضع برامج تدريبية لجميع القيادات المحلية بمن فيهم المحافظ، وذلك قبل تولى المنصب، مع مراعاة تولى المحافظين من داخل قيادات النظام المحلى. التوسع فى دراسة حالة فئات مختلفة من المحافظين وقياس أثر الصفة المهنية على واقع محافظاتهم. النظر فى تحويل نظام (التعيين) للمحافظين إلى (الانتخاب) وملاءمة ذلك مع الدستور والواقع. تحديد مدة زمنية أو دورة عمل للمحافظين قابلة للقياس وتقييم الأداء. وإصدار تشريع ينظم عمل المحافظين فى مصر. وبحث آلية جديدة لمتابعة قرارات مجلس المحافظين. المتابعة والمحاسبة على ما يرد فى تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، والرقابة الإدارية من أجل تحسين أداء الخدمات للمواطنين.