يحل عيد ميلاد السيد المسيح على الطائفة الكاثوليكية من مسيحيي سوريا على استحياء، فللعيد هذا العام حديث آخر. كل شيء معرض لأن يكون تحت الحصار، حتى الأعياد والمناسبات الوطنية والدينية خضعت لقواعد الثورة وتداعيات قمعها من قبل النظام، فألغيت الاحتفالات حدادا على أرواح الشهداء الذين يتساقطون يوميا. قرر مسيحيو سوريا إلغاء مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد والاقتصار على الصلوات والأمنيات فقط، تعاطفا مع عائلات الضحايا، الذين سقطوا خلال الأشهر ال 9 الماضية. خلت البيوت السورية من مظاهر الاحتفال المعهودة بعيد الميلاد، الأجراس الصغيرة والشرائط الحمراء وأشجار الكريسماس غابت عن شرفات المنازل ومداخل البيوت، الشوارع لم تعد تتزين كالأعوام السابقة، أجراس الكنائس لم تعد تطرب المسيحيين والمسلمين على حد سواء. وتبادل التهاني تحول إلى مجرد رفع عتب، فغابت الرغبة عند الأهالي في الاحتفال. ظل «أبو جورج» يعتمد لسنوات في تجارته على السياح العرب والأجانب الذين كانوا يؤمون الحي المسيحي الذي يقطن فيه لشراء المقتنيات التراثية العتيقة. لكنه الآن لا يجد عملا، وهو الذي يقتني في دكانه أرقى التحف والشرقيات والأنتيكات. وضعه لا يسر الخاطر. يقول أبو جورج: «نحن هنا أمام المحلات واقفين عالفاضي لا شغلة ولا عملة، واقفين عم نتطلع ع بعضنا من الصبح للمسا وهيهات إذا أجاك زبون». يتدخل في الحديث ابنه «بشارة»، خريج أدب فرنسي، ويعطي دروسا خصوصية لمساعدة والده في المساء في الدكان. يقول «كنت أساعد الوالد حتى أؤمن له زبائن أجانب إذ تساعد لغتي كثيراً في جلب الزبائن. الأجانب كانوا يفرحون حين يعرفون أني أتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، وأني أعمل في الشرقيات». وإذا كان للعيد أمنيات يعلقها المسيحيون على شجرة الميلاد، فإن «أم سيمون» قالت بعد تفكير طويل: «نشكر الرب على كل شي، أمنياتنا أن تستقر الأوضاع الأمنية، وان يعود الوطن بأجمل مما كان، وتعود الفرحة على وجوه أطفالنا، وأن تغلق صفحة الإرهاب، ونعيش في أمان بعيدا عن المسميات الطائفية والعرقية». هذا في الشارع، أما في الكنيسة، فتقول الراهبة «أنطوانيت»: «كان العيد يحلو من خلال مساعدتنا لمن لا يستطيع الاحتفال بالعيد بسبب قلة إمكاناته، فكنا نوزع الملابس على الأطفال لإشراكهم في الفرحة.. لكن الظروف التي تمر بها سوريا أوقفت كل هذه العادات الجميلة». حديث أنطوانيت جاء تكريسا لما أعلنه رؤساء الطوائف المسيحية ال 12، والذين تبلغ نسبتهم حوالي 8% من السوريين. فقد أعلنتوا إلغاء كافة مظاهر الاحتفالات بعيد الميلاد ورأس السنة، واقتصر الاحتفال على الصلوات والقداديس داخل الكنائس فقط. واعتبرت الكنيسة هذا القرار نتيجة طبيعية للظروف القاسية التي تمر بها البلاد، وتعاطفا مع عائلات الشهداء والضحايا.