تواصل قوات التحالف الدولي إرسال تعزيزات عسكرية إلى قواعدها شمال شرقي سوريا، وذلك وسط عمليات أمنية تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ضد السكان المدنيين، وشملت التعزيزات العسكرية القادمة من العراق، أيضًا بعض المناطق شمال شرق سورية. وقالت مصادر إعلام محلية إن قافلة أسلحة للتحالف الدولي مكونة من 40 شاحنة وصلت إلى قواعد عسكرية للتحالف الدولي بريف الحسكة قادمة من إقليم كردستان العراق، بالإضافة إلى دورية أميركية، وصلت رفقة عناصر من قوات «قسد»، إلى منطقة شمال شرقي سوريا على بعد نحو 15 كيلومتراً جنوب غربي الحسكة، وهذه القوات تزعم أنها جاءت بهدف إنشاء قاعدة عسكرية للتحالف الدولي ضد داعش، وقد استطلعت مساحة الأرض لإنشاء مطار عسكري، وهذه النقطة تقع على مقربة من فوج «المليبية» الذي كانت تتخذه القوات النظامية الموالية للأسد فوجاً عسكرياً قبل 2011، لكنها اليوم تخضع لقوات «قسد». وقالت مصادر ميدانية، إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تبرر وجود قواتها في سوريا بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ولكن في الحقيقة أن التنظيم ينتشر بشكل واسع في مناطق تواجد القوات الأمريكية دون أي تحرك لهذه القوات، وهناك دلائل واضحة أن القوات الأمريكية تتعاون مع تنظيم داعش، وتفتح لهم المجال للهجوم على مدينة دير الزور والحسكة، حيث تتواجد أمريكا في سوريا ليس لمحاربة الإرهاب بل لمحاربة الشعب السوري وإثارة الفوضى، وهناك فرق بين التدخل الروسي والأمريكي، لأن التدخل الروسي كان له نتائج واقعية على الأرض بينما القوات الأمريكية لم تفلح بأي شيء وقد زاد الوضع الأمني سوءاً في مناطق تواجدها. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير سابق لها، أن الجيش الأميركي تعمد إخفاء جريمة ارتكبها بحق المدنيين في سورية عام 2019 وأوقعت 64 ضحية من النساء والأطفال، نتيجة ضربتين جويتين متتاليتين نفذتهما القوات الجوية الأميركية قرب قرية الباغوز بريف دير الزور بأمر من وحدة عمليات خاصة أميركية سرية مشيرة إلى أنها جريمة حرب محتملة. وأرتكب التحالف الدولي العديد من الجرائم في حق السوريين منذ عام 2014 وذلك من خلال قصفه المناطق السكنية بأرياف حلب ودير الزور والرقة والحسكة، إضافة إلى تدمير البنية التحتية تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، بينما تقوم قوات «فاغنر» العسكرية بمحاربة تنظيم داعش في مدينة الزور، والقرى المحيطة بها، وسيكون لها دوراً كبيراً في محاربة الإرهاب في البادية السورية إلى جانب القوات الروسية، جدير بالذكر أن وسائل إعلام سورية أفادت منذ أيام عن رفع الجاهزية القصوى داخل مطار تدمر ومدينة السخنة شرق حمص، إلى جانب تكثيف الاجتماعات التخطيطية بين القادة العسكريين لقوات النظام السوري والقيادات الروسية وبمشاركة إسنادية من قوات «فاغنر»، لشن حملة عسكرية مشتركة ضد تنظيم الدولة في بادية حمص الشرقية، وذلك دون مشاركة إيران ومليشيات المتطرفة. زار وفد يضم نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، إلى جانب عدد من الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأمريكيين المنطقة يوم السبت، والتقى القائد العام لميليشيا سوريا الديمقراطية «قسد» مظلوم عبدي، والرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي «مسد» إلهام أحمد. وأكد الوفد الأمريكي خلال الاجتماع الذي انعقد في مقر قيادة «قسد» في مدينة الحسكة «أهمية الحفاظ على اتفاقية خفض التصعيد ووقف إطلاق النار»، وكذلك «مواصلة الجهود لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش»، وفق بيان صادر عن «قسد». وأضاف البيان«أن الطرفين بحثا»الصعوبات الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وسبل زيادة تقديم الدعم الإنساني لها، بما يضمن الحفاظ على الأمن والاستقرار فيها«. موقف من الواضح أن واشنطن تتجنب فيه الإعلان الصريح عن موقفها من مستقبل الوجود العسكري لقواتها في سوريا، مقابل التركيز مجدداً على أولوياتها المعلنة. وسبق للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية ديفيد برايس، أن أعلن يوم الثلاثاء الماضي أن جهود بلاده تركز في سوريا على تحقيق ثلاثة أهداف هي: الحفاظ على خفض التصعيد، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، ومنع عودة داعش. وتنسجم هذه التصريحات مع الاستراتيجية التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض، والتي تم الإعلان عنها بشكل رسمي خلال اجتماع ممثلي دول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي عقد في روما في حزيران/ يونيو الماضي. وكان هذا الإعلان قد شكل «دلالة شبه قاطعة»بالنسبة للكثيرين حول توجه الإدارة الديمقراطية نحو «التخلص من عبء الملف السوري، وتلزيمه بشكل تدريجي للروس، مقابل بعض الشروط التي تعمل أمريكا على ضمان تحققها قبل مغادرة الأراضي السورية». رؤية بدا أن هناك الكثير من التطورات التي تدعمها، ابتداء من الاتفاق على تمديد قرار السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، الذي تم إقراره في مجلس الأمن في يوليو الماضي، مروراً بالتغاضي الأمريكي عن اتفاق خط الغاز المصري وشبكة الكهرباء الأردنية المارين عبر الأراضي السورية إلى لبنان، واستثناء المشروعين من قانون قيصر، الذي عطلت واشنطن العمل به جزئياً فيما يخص كذلك وصول مساعدات أخرى، مالية وعينية إلى النظام من قبل العديد من الدول. وبالإضافة إلى ما سبق، يعتقد أصحاب هذا الرأي أن سماح الولاياتالمتحدة للروس بتمرير التسوية الجديدة في درعا، وكذلك بالتمدد في مناطق النفوذ الأمريكي في شمال شرق سوريا، ما كان ليحدث لولا وجود اتفاق بين الدولتين، ورغبة أمريكية بطيّ ملف الصراع في سوريا، أو على الأقل إلغائه من جدول اهتمامات واشطن بعد الآن، وهذا يعني بالضرورة انسحاباً عسكرياً كان قد بدأ العمل عليه رسمياً. موقف أمريكي يرى البعض أنه مرتبك، بينما يرى آخرون أن الهدف منه في الواقع إرباك الآخرين، لجهة عدم وضوح هذا الموقف بشكل حاسم. ضبابية عززتها مزيد من التصريحات والتحركات الأمريكية خلال الأيام الأخيرة الماضية، حيث التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى شمال شرق سوريا ديفيد براونشتاين مع رئاسة المجلس الوطني الكردي افتراضياً عبر الإنترنت، كما زار وفد الخارجية مجلس مدينة الرقة المحلي التابع للإدارة الذاتية، والتقى أيضاً مع رئيسي المجلس المدنيين. أنشطة ذات دلالة تؤكد استمرار عناية واشنطن بمنطقة شمال شرق سوريا، لكن في الوقت نفسه لا تعبر عن الكثير، بدلالة المستوى المنخفض للمسؤولين الأمريكيين الذين يقومون بها. ولتفسير هذا الغموض، يرى السياسي والإعلامي السوري أيمن عبدالنور، أن الموقف الأمريكي من مناطق شمال شرق سوريا هو «موقف الحماية» وهذا لا يتطلب وجوداً عسكرياً كبيراً، لكنه في الوقت نفسه لا يسمح بالانسحاب الكامل. ويقول في تصريحات ل«أورينت نت»: الرئيس الأمريكي جو بايدن أبلغ المسؤولين الأكراد من خلال موظفين بإدارته التقوا معهم أنه طالما بقي في منصبه فإن «الحماية» الأمريكية لمنطقة نفوذهم باقية، وبالتالي فالوجود العسكري الأمريكي سيستمر بالتأكيد «لكن هذا لا يمنع سحب قسم من القوات وتخفيف الاعداد». إلا أن عبدالنور، المقيم في الولاياتالمتحدة، يؤكد أن لدى الديمقراطيين خطة شاملة للانسحاب العسكري المدروس والمنظم من كافة المناطق التي يوجدون فيها خارج البلاد تقريباً، وليس فقط من سوريا، مع الإبقاء طبعاً على المظلة الأمريكية التي تكفي لضمان أمن حلفائها، وقادة قسد قد يكفيهم مجرد رفع العلم الأمريكي في مناطق سيطرتهم ليستفيدوا من هذه الحماية، إلى حين التوصل لاتفاق بين الأكراد من جهة، والنظام وروسيا من جهة أخرى، وهو ما تدفع واشطن لتحقيقه دفعاً. انسحاب أمريكي محسوم من شمال شرق سوريا، لكن التوقيت يبقى هو النقطة التي لا يمكن حسمها، لذلك تريد الدول الأخرى الاستفادة من رغبة الولاياتالمتحدة بوضع حد لوجودها العسكري في سوريا بتحقيق أكبر قدر من المكاسب، بينما تريد واشنطن عدم ترك حلفائها في قوات «قسد» لقمة سائغة لأي من تركيا أو النظام. لذلك يعتقد الصحفي والمحلل حسن محفوظ أن «أمريكا تريد تثبيت الوضع الراهن وعدم السماح لروسيا بالاستفادة بشكل كامل من انتصاراتها العسكرية سياسياً واقتصادياً إلى أن يتم التوافق معها على اتفاق شامل يبعد إيران عن حدود الجولان». ويضيف في حديث ل«أورينت»: عملياً ليس هناك انتصار كامل لأي طرف دولي أو إقليمي في سوريا، سواء أمريكا أو روسيا أو تركيا أو إيران، أما التمدد الروسي بمناطق نفوذ الولاياتالمتحدة شرق الفرات فهو بالواقع تمدد بالقرب من مناطق النفوذ التركي، وواشنطن تريد وضع الطرفين بمواجهة بعضهما البعض، أما في مناطق النفط فغير مسموح للروس الاقتراب منها.