بذلت دار الإفتاء مجهودات كبيرة ومتنوعة فى مواجهة الفكر المتطرف على مستويات عدة، ليس فقط على مستوى رصد الفتاوى المتطرفة وتفنيدها والرد عليها؛ ولكن أيضًا على مستوى الأبحاث والدراسات المتعمقة والمستقبلية لمواجهة هذا الفكر الإرهابى الذى بات يهدد الجميع. وأنشأت الدار مركز سلام لدراسات التطرف والإرهاب، وهو مركز بحثى وعلمى لإعداد الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، يرتكز على مناهج وسطية إسلامية، ويعالج مشكلات التشدد والتطرف الخاصة بالمسلمين حول العالم، ويقدم توصيات وبرامج عمل لكيفية مواجهة تلك الظاهرة الآخذة فى الزيادة ومحاربتها والقضاء عليها، مع مراعاة الخصوصيات المرتبطة بتنوع الحالات وتعددها واختلاف المناطق والبلدان. وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، أمين الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، إن «مركز سلام لدراسات التشدد» كان الهدف من إنشائه المساهمة فى تعميق المناقشات العامة والأكاديمية المتعلقة بقضية التشدد بأبعادها المختلفة، ودعم عملية صنع السياسات الخاصة بعملية مكافحة التشدد، بحيث لا تقتصر على جانب المكافحة الأمنية فحسب؛ إنما تهتم أيضًا بالأبعاد الدينية والإنسانية والاجتماعية فى عملية المكافحة. وأضاف «نجم» أن المركز يهتم كذلك بمكافحة التشدد بأنواعه المختلفة على مستويين رئيسيين: الأول وهو المعنيُّ بالتعامل مع الفكر المتشدد، حيث أصبح من الواضح تقدم الاستراتيجيات التى تستخدمها الجماعات المتطرفة فى تجنيد فئات المجتمع المختلفة، خاصة الشباب والنشء، والتى تعتمد على الاستدلالات الفقهية والشرعية من أجل التعبير عن رؤيتها للآخر وللعالم، مثل وجوبية الجهاد والحكم بما أنزل الله والخلافة وحتمية المواجهة مع الكفار وغيرها، مؤكدًا أنه رغم الجهود التى يتم بذلها فى مجال التعامل مع المتطرفين من أجل إعادة تأهيلهم ودمجهم فى مجتمعاتهم؛ إلّا أنه لا تزال هناك أبعاد يتم إغفالها فى برامج إعادة الدمج على نحو يبرر عدم الفعالية الكاملة لهذه البرامج، خاصة فيما يتعلق بقدرتها على تغيير الفكر الذى يعتنقه المتطرف وليس سلوكه فقط. وأشار «نجم» إلى أن المستوى الثانى الذى يهتم به المركز يستهدف تحصين المجتمعات من الأفكار المتطرفة على نحو يحول دون استمرار انتشارها فى المجتمع، والحيلولة دون انتقالها بين الأجيال المختلفة، وهو ما يتطلب سلسلة من إجراءات المكافحة التى لا تهتم بمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف فقط، أو تلك المتعلقة بالسياق المشجع على تبنى الفكر المتطرف؛ إنما تهتم أيضًا بمعالجة العوامل المحفزة التى تفسر سبب تبنى شخص ما «فكرًا متطرفًا» فى الوقت الذى يعزف فيه شخص آخر له نفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية عن تبنى ذلك الفكر.