فقدت مصر يوم الثلاثاء الماضى فاروق عبدالقادر الذى ولد فى بنى سويف عام 1938، وتخرج فى كلية آداب عين شمس عام 1958، بعد أن درس الفلسفة وعلم النفس، ويعتبر من النقاد الكبار للمسرح والرواية فى النصف الثانى من القرن العشرين الميلادى، كما أنه مترجم من طراز رفيع عن الإنجليزية لعدد من روائع المسرح العالمى، ولأغلب مؤلفات بيتربروك أحد أعظم المسرحيين فى العالم. توفى فاروق عبدالقادر بعد معاناة تزيد على سنة من مرض أفقده الوعى والإدراك، وقد حزنت كثيراً لما أصاب الناقد الكبير، فكيف لمن يعيش على إدراكه أن يفقده، ومن يستمد كل قوته من وعيه أن يغيب عنه. وكنت أتابع حالته عبر صديقنا المشترك كمال رمزى، وأتذكر الأب الروحى لجيل الستينيات عبدالفتاح الجمل الذى كان يقول: أتمنى أن أموت فجأة، فلا مرض ولا إزعاج لأحد، ولا مطالبة للدولة بعلاجى، أو جمع الأموال من أجلى. وحقق الله ما تمناه. وكما جاء العلاج على نفقة الدولة بعد فوات الأوان، جاء فوز فاروق عبدالقادر بجائزة الدولة للتفوق وهو فى الغيبوبة قبل يوم من وفاته. وقد لاحظت فى التعليقات الصحفية التى نشرت عنه بعد رحيله التركيز على أمرين الأول أنه كان يستحق جائزة مبارك أو الجائزة التقديرية، وليس جائزة التفوق، والثانى أنه كان يرفض التعامل مع وزارة الثقافة، سواء تولى المناصب فى أجهزتها، أو النشر عن طريقها. أما بالنسبة إلى جائزة التفوق فهى الجائزة الوحيدة من بين جوائز الدولة الكبرى الثلاث التى يتقدم إليها المرشح، ولا ترشحه إحدى جهات الترشيح الرسمية. ما حدث أن الراحل الكريم لم يتقدم إليها، وإنما تقدم باسمه بعض أصدقائه على أمل استخدام قيمتها المالية فى تكاليف علاجه إذا فاز بها. والجوائز تقدير جميل، ولكن لا علاقة لها بالقيمة. فلا يقلل من كتابات وترجمات فاروق عبدالقادر عدم الفوز بأى من جوائز الدولة، ولا يزيد من قيمتها أنه فاز بجائزة العويس فى الإمارات، وكذلك الحال بالنسبة لكل الكتاب والمترجمين والشعراء والفنانين فى كل المجالات فى مصر وفى كل الدنيا. والموقف من وزارة الثقافة لا علاقة له بالقيمة أيضاً فالكاتب لا يفقد استقلاله بالضرورة عندما تنشر له وزارة للثقافة، والكثير من كتب فاروق عبدالقادر صدرت عن وزارة الثقافة فى الكويت، كما لا يفقد استقلاله بالضرورة عندما يتولى أحد المناصب فى وزارة الثقافة أو غيرها من الوزارات، ولست هنا أدافع عن أصحاب المناصب، ولست منهم، وإنما أؤكد أن قيمة الناقد الراحل فى رؤيته لفن المسرح فى كتاباته وترجماته، وآن الأوان لتصدر أعماله الكاملة لندرك هذه الرؤية ومدى عمقها. [email protected]