لا نريد التوقف أكثر من اللازم أمام العاصفة، التى أثارها بعض الصحفيين والفنانين والمحررين الرياضيين ومقدمى البرامج الجهلة فى مصر والجزائر، وتخيلوا أنهم أصبحوا قادة للشعبين والرأى العام. وواحد من أسوأ مشاهد التاريخ فى البلدين، لأنها بدأت تتلاشى فعلاً، وأغلق معظمهم أفواههم على ألسنتهم، بإشارة من النظامين فهؤلاء لا يعبرون عن مشاعر ومصالح الشعب. ولا وزن سياسياً أو فكرياً لهم ولم ينجح غيرهم طوال عشرات السنين فى إقناع المصريين بأنهم ليسوا عرباً، وإذا كان المفكرون الحقيقيون من الرواد الذين دعوا لهذه الفكرة وشكلوا فعلاً ملامح النهضة الفكرية والتعليمية، وقادوها مثل أحمد لطفى السيد وطه حسين، وسلامة موسى، ومحمد حسين هيكل- حسين وليس حسنين- وغيرهم من العظماء، قد تقبل منهم الشعب الكثير فإنه رفض دعواتهم.إن مصر شىء والعالم العربى شىء آخر واضطرهم ذلك للتخلى عن أفكارهم- على الأقل علنا- رغم أن مصر كانت محتلة وانغمس المصريون فى مشكلة فلسطين ومشاكل المغرب وتونسوالجزائر وليبيا والعراق وسوريا ولبنان، ودعوا لتأسيس الجامعة العربية لتكون منظمة إقليمية تقود العرب للوحدة عام 1944 على يد الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس. فهل يمكن تخيل أن ينجح جهلة فى دفع الشعب لينكر قوميته؟! هذا أولاً وثانياً هذه الموجات السوداء الداعية للتخلى عن عروبة مصر، اعتدنا عليها. فقد هبت بعد هزيمة فلسطين عام 1948 تتهم الفلسطينيين بخيانة الجيش المصرى. وظهرت دعوة مصر للمصريين، ومصر أولاً.. والانسحاب من الجامعة العربية لكنها سرعان ما انتهت بأن ازدادت مصر التصاقاً بالعالم العربى. وبعد ثورة يوليو تعاظم هذا الاندماج لدرجة أن كل الشعوب العربية التفت عاطفياً وسياسياً نحو رئيسها خالد الذكر جمال عبدالناصر، لأنه كان يدعو لتوجهات تحقق مصالحها العليا. وأصبحت شعبيته داخل كل دولة عربية أكبر من شعبية رئيسها أو ملكها، أو رؤساء أحزابها، على الرغم من استمرار الخلافات من وقت لآخر بين مصر وعدد من الدول العربية مثلما حدث عند قيام الحركة الانفصالية فى سوريا عام 1961، وتم اعتقال قائد الجيش عبدالحكيم عامر وكبار القادة العسكريين المصريين هناك.. وإهانتهم وأرسلت مصر قوات المظلات والصاعقة إلى مدينة اللاذقية إلا أن عبدالناصر طلب منها الاستسلام حتى لا تخوض قتالاً ضد السوريين. وتعرضت مصر لإهانات من جانب قادة الانفصال ودخلت مصر فى خلافات عنيفة مع الأردن والعراق أثناء الحكم الملكى، وبعد الثورة عليه مع رئيسه عبدالكريم قاسم ومع السعودية فى اليمن ومع ملك المغرب السابق الحسن الثانى ورئيس تونس السابق الحبيب بورقيبة، ومع الرئيس اللبنانى كميل شمعون الذى كان رئيسا لحزب الأحرار الوطنيين ومع جانب من الفلسطينيين بعد قبول مبادرة وزير الخارجية الأمريكية روجرز بوقف إطلاق النار عام 1969 فيما عرف بحرب الاستنزاف، وأحضر قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حماراً ووضعوا عليه صورة عبدالناصر وطافوا به فى العاصمة الأردنية عمان. وتبادل عبدالناصر وقادة هذه الدول الهجمات العلنية العنيفة فى خطب وتصريحات، وشاركت فيها أجهزتها الإعلامية وجنح بعضها لهجمات شخصية تمس القادة لكنها لم تسئ للشعوب أو تثر الكراهية فيما بينها وإنكار عروبتها ولم تعاير مصر الدول العربية بما قدمته إليها حتى من قبل الثورة وبعدها من مساعدات.. توقفت كلها بعد هزيمة يونيو 1967 لتتحول مصر إلى متلقٍ لها من السعودية والكويت والمملكة الليبية لتعويض فقدانها دخل قناة السويس.. وفى عهد السادات وقبل حرب أكتوبر وبعدها تلقت مساعدات من الدول العربية بالمليارات من الدولارات.. ولم يعايرنا أحد بها.. ولم تكن الخلافات بين مصر ودول عربية فقط وإنما اشتعلت بين الدول العربية وبعضها البعض. على سبيل المثال الكويت كانت فى صراع مكتوم مع السعودية ومع سلطنة عمان، وصل إلى حد مساعدتها جمهورية اليمن الديمقراطية ونظامها الشيوعى لمضايقة السعودية ودعم الثورة الماركسية، التى قادتها جبهة تحرير عمان والخليج فى محافظة ظفار بالسلطنة والملاصقة لمحافظة المَهَرة فى اليمن الجنوبى، وسلطنة عمان كانت لها مشكلة حدود مع كل من السعودية ودولة الإمارات حول واحة البوريمى.. وقطر فى صراع مع البحرين على جزر حوار وصل إلى حد الصدام المسلح. المهم أنه فى كل هذه الخلافات والمعارك لم ينحط أحد لمستوى مهاجمة شعب وإثارة الوقيعة معه، مثلما يحدث الآن من جانب جهلة وموتورين فى مصر والجزائر.. ولا أعرف لماذا تأخر الحزب الوطنى حتى الآن فى تشكيل حركة شعبية لرفض التطبيع مع الجزائر، مماثلة لحركة رفض التطبيع مع إسرائيل.. وأنا أقول الحزب لأن جناحاً داخله يشجع الحملات التى وصلت إلى مستويات خطيرة كشف عن جانب منها السفير المصرى فى السودان، فى حديثه مع زميلتنا فى «المصرى اليوم» رانيا بدوى بعدم السماح لوزير الخارجية أحمد أبوالغيط بعمل مداخلة تليفونية فى التليفزيون للرد على ما قيل فى أحد البرامج، وما حدث معه شخصياً من قطع كلامه بعد دقيقة واحدة فى برنامج وعدم الرد على طلبه عمل مداخلة لتوضيح الموقف فى برنامج آخر، ونحن هنا أمام إهانة لوزارة سيادية من جانب الإعلام الرسمى ثم فوجئنا بوزير الإعلام أنس الفقى يقول «بلا عروبة بلا بتاع» وقيامه فى اجتماع لإحدى لجان مجلس الشعب بغمز عمرو موسى بطريقة غير مباشرة بقوله «إننا أمام صمت مدهش ومثير من جامعة الدول العربية على هذه الأحداث».. وهو ما أورده زميلنا بمجلة «آخر ساعة» محمد الفقى فى تحقيق له عن هذا الاجتماع.. ويخيل إلى، وربكم الأعلم بالنوايا أنها تصفية حسابات، بسبب حديثه لجريدة «الشروق» وإعلانه أن لديه برنامجاً لنهضة مصر، وتوجيهه بعض الانتقادات التى تم تفسيرها بأنه يقدم نفسه مرشحاً للرئاسة، وعلى موسى أن يحمد ربه أن الجهلة لم ينادوا بمقاطعته هو وجامعته واتهامهما بالعمالة للجزائر.