يتخلى شعبنا الطيب أحيانا عن طيبته، ويتفاعل بطريقة سلمية مع القضايا التى تمس عيشته.. إلا أن بعض ولاة الأمور لا يرضيهم ذلك، من باب أنه يندرج تحت بند الكبائر التى تستوجب العقاب!.. الأمثلة عديدة ومتنوعة، لكن أقربها لموضوع اليوم يتعلق بالمفاجأة غير السارة التى فجّرها وزير المالية بطرس غالى العام الماضى، حين قدم قانوناً جديداً للضريبة العقارية.. لعلكم تذكرون حالة الاستياء التى سادت لدى غالبية المواطنين بسبب تلك المفاجأة، وربما تذكرون أيضاً المناقشات الساخنة فى برامج الفضائيات وعلى صفحات الجرائد، التى كشفت عن الرفض الشعبى الواسع لهذا القانون الذى جاء فى وقت يقتطع فيه وزير المالية 28% من دخل المواطن العادى فى صورة ضرائب متنوعة، بينما يكتفى بتحصيل 13% كضرائب على أرباح الشركات!.. فى خضم ذلك التفاعل تبنى الزميل الأستاذ وائل الإبراشى حملة صحفية فى (صوت الأمة) دعا من خلالها إلى رفض تقديم إقرارات الضريبة العقارية، وحدث أن تجاوب معه آلاف المواطنين!.. لم يقصد الإبراشى من دعوته سوى وجه الله ومصلحة الغلابة، حتى إنه استعان بفقهاء دستوريين، أعلنوا عدم دستورية الضريبة الجديدة، وبرجال دين اعتبروها نوعا من الجباية الظالمة!.. وحين أعلن الرئيس حسنى مبارك أن أمر القانون (لم يحسم بعد) شعر زميلنا بمدى أهمية رسالة الصحافة والإعلام فى خدمة المجتمع، وبأنه لا ينفخ فى قِربة مقطوعة.. لكنه للأسف كان واهماً بدرجة كبيرة!.. تغاضى الوزير بطرس غالى عن ذلك كله واعتبر أن دعوة الإبراشى تُعد تحريضاً وإثارةً للرأى العام، وهو ما ترجمه الوزير بتقديم بلاغ إلى النيابة العامة، ليجد زميلنا نفسه فى مواجهة المادة 177 من قانون العقوبات التى لم تستخدم من قبل إلا فى قضايا التنظيمات المسلحة، ضد المخططين لقلب نظام الحكم!.. الغريب أن الوزير فى وقت لاحق سعى للتصالح، لكنه اشترط أن يكتب الإبراشى (كلمتين)!.. والمعنى واضح، وهو أن يمنح الزميل إجازة لضميره ويخرج على قرائه بمقال يقول فيه: أنا كنت غلطان، لقد اكتشفت أن الضريبة الجديدة حلوة وبنت حلال! قد تبدو المسألة فى نظر البعض ثأراً شخصياً من وزير ضد صحفى.. ربما!.. لكن ذلك رغم واقعيته (فى بلادنا طبعاً!)، لا يمنع حقيقة مفادها أن حكومة الحزب الوطنى تسعى بكل وضوح إلى إسكات صوت الصحفيين الشرفاء خلال المرحلة المقبلة، التى ستشهد انتخابات مجلس الشعب ثم انتخابات الرئاسة!.. مهمةٌ ثقيلةٌ لا تحتاج فيها الحكومة إلى إزعاج من أى نوع، حتى تتمها على طريقة انتخابات مجلس الشورى الأخيرة! سيمثل الإبراشى الشهر المقبل أمام محكمة الجنايات، وليس مستبعداً أن يصدر ضده حكمٌ بالسجن، ليكون عبرة للجماعة الصحفية بأكملها، ولينشرح صدر الوزير بطرس غالى!.. لكن السؤال الذى يتعين على عقلاء النظام التفكير فيه: ما الفائدة التى ستعود على البلد بإشعال أزمات كهذه؟!.. هل سيخفف إظهارُ (العين الحمرا) للصحفيين وغيرهم الاحتقانَ السائد حاليا فى المجتمع؟! [email protected]