وصلت الشمس إلى الأفق بعد يوم حار .. وبدأ الظلام يحيك خيوطه فى السماء ليصنع عبائته التى بدأت تدارى تلك التلة فى صحراء جنوبسيناء .. وفوق التلة كانت هناك أحدى نقط الحراسة الخاصة بالأمن المركزي وداخلها ذلك المجند الحامل سلاحه يقوم بنوبة حراسته .. مجند أسمه سليمان خاطر .. كان سليمان يسير يمنة ويسرة بخطوات متئدة .. حين تناهى لمسامعه أصوات ضحكات .. ألتفت سليمان إلى أسفل التلة ليري مجموعة يصل عددها إلى 12 شخص من نساء ورجال وأطفال .. يرتدون مايوهات ، وقد بدا أنهم يريدون صعود التلة ليشاهدو البحر بصورة أكبر .. لم يترك سليمان الفرصة لدهشته بأن تتغلب عليه وتمنعه من فعل ما يتوجب عليه فعله .. فصرخ فيهم : .. فضحكو ..Stop..No passing .. فشاورو عليه وهم مازالو يضحكون ..Stop..No passing .. فلم يهتمو وأكملو الصعود ..Stop..No passing قالها ثلاثاً .. ثم وجه البندقية نحوهم وأطلق النار .. ليسقط سبعة منهم وتسيل دماؤهم الملوثة على الأرض الطاهرة .. وبعدها سلم سليمان نفسه .. * * * "إنني في غاية الخجل، فقد قام أحد جنودي بفتح النار على مجموعة من الإسرائيليين اخترقوا الحدود، مما أدي إلى قتل سبعة منهم" .. (مبارك ) قرار جمهورى : بموجب قانون الطوارئ يتم تحويل المجند / سليمان محمد عبد الحميد خاطر .. إلى المحاكمة العسكرية .. * * * فى غرفة التحقيق .. حكى سليمان حكايته .. رغم أن بداخله ما يقنعه أن كل هذه التحقيقات هى مجرد خداع من الحكومة للتخلص من الضغط الأمريكي والإسرائيلي .. كان يملك قناعة بأن مبارك وأبو غزالة لن يتركانه ، وهكذا أخبر أمه فى أحدى الزيارات .. سأله المحقق : - أنت حافظ رقم سلاحك ليه ؟؟ - عشان بحبه .. واللى يحب سلاحه يحب وطنه .. واللى يهمل سلاحه يهمل وطنه ، وأنا بحبه .. بحبه زى كلمة مصر تمام .. وعندما سأل عن سبب إطلاقه النيران أجاب : - أمال أنتم قلتم ممنوع ليه !!.. قولولنا نسيبهم وأحنا نسيبهم .. * * * التقرير النفسي : ( أن سليمان مختل نوعاً ما ، و أن السبب في ذلك يرجع إلى أن الظلام كان يحول مخاوفه إلى أشكال أسطورية خرافية مرعبة تجعله يقفز من الفراش في فزع ، وكان الظلام يجعله يتصور أن الأشباح تعيش في قاع الترعة ، وأنها تخبط الماء بقوة في الليل وهي في طريقها إليه ) أهرام ، أخبار ، جمهورية : سليمان خاطر .. المجنون الّذي قتل الإسرائيليين ، سليمان خاطر بطل رغم أنفه" * * * 28/12/1985 .. المحكمة العسكرية .. الجلسة الأخيرة فى قضية سليمان .. من أقوال سليمان أثناء المحاكمة : أنا لا اخشي الموت... ولا أرهبه... إنه قضاء الله وقدره، لكنني أخشي أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي ، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم .. فكان رد القاضي "اللواء/مصطفى دويدار" : 25 عاما مع الأشغال الشاقة المؤبدة .. رفعت الجلسة .. فصاح سليمان : الحكم ده حكم ضد مصر .. لإنى جندى مصري أدى واجبه .. ثم ألتفت للعساكر اللذين يحرسونه : روحو أحرسو سينا .. سليمان مش عايز حراسه .. ** بعد المحاكمة توجه اللواء مصطفى إليه وقال له : أنت راجل يا سليمان ، ولو كنت مكانك كنت عملت زيك ** * * * من رسائل سليمان لأسرته : ( سألنى أحد السجناء فى السجن .. فيما أفكر ؟؟ .. فأجبته : أفكر في مصر أمي، أتصور أنها امرأة طيبة مثل أمي تتعب وتعمل مثلها، وأقول لها يا أمي أنا واحد من أبنائك المخلصين .. من ترابك ..ودمي من نيلك .. وحين أبكي أتصورها تجلس بجانبي مثل أمي في البيت .. في كل أجازة تأخذ رأسي في صدرها الحنون، وتقولي ما تبكيش يا سليمان أنت فعلت كل ما كنت أنتظر منك يا بني ) .. * * * الأثنين-6/1/1986 .. سجن فنارة الحربي .. ثمانية أيام على حبس سليمان ..وتم أستدعاء عائلته بشكل مفاجئ ليقومو بزيارته .. وطلب سليمان من أسرته أن يحضرو معهم فى المرة القادمة ( معجون أسنان ، بدلة صوف ، كتب كلية الحقوق المنتسب لها ) .. الثلاثاء-7/1/1986 .. وسائل الإعلام المصري .. تم قطع مباراة (الأهلى والمنصورة ) لإذاعة نبأ عاجل : إنتحار سليمان خاطر فى محبسه .. * * * رغم أن كل من عرف سليمان .. يعلم مدى خلقه وتربيته وطريقة تفكيره التى تخلو من فكرة الإنتحار .. إلا أنهم رضوا بقضاء الله ، وتسلمو جثمانه .. ليجدو جثمانا أظافره مكسرة .. أثار سلك حول رقبته .. أثار خبط فى جانبه .. وكان الإعلام أكثر تخبطا : ( البيان الرسمي : الإنتحار تم بمشمع الفراش) .. ( مجلة المصور : الانتحار تم بملاءة السرير) .. (الطب الشرعي : الإنتحار تم بقطعة قماش من المستعملة فى الصاعقة ) .. وعندما تقدمت الأسرة بطلب إعادة التشريح .. كان الجواب بالرفض ، وحينها لم تهدأ الجامعات أو المدارس وفاضت بدماء تغلى .. رفعت حرارة الشوارع .. ليهدأهم زملاء سليمان بالضرب والقنابل المسيلة .. ومن وقتها صار سليمان أيقونة لرفض التطبيع .. أيقونة حتى الآن لم تطلق على أسم قريته "أكياد" بمحافظة الشرقية أو وحدة فى الأمن المركزي أو يصنع له نصب تذكاري .. ولكن هناك طابع تذكاري له كتب عليه " فى ذكري بطل سينا سيلمان خاطر " لكنه صدر فى إيران كما أسمت شارع من أجمل شوارع طهران بأسمه كما فعلت ليبيا أيضاً شارعا ومدرسة .. * * * و آخر كتابي أيا مهجتي .. أمانة ما يمشي ورا جثتي .. سوى المتهومين بالوطن تهمتي .. " من قصيدة منسوبة لسليمان سربت من محبسه " * * * المقال إهداء : لحامل صورة سليمان أمام السفارة .. الّذى نفض الغبار عن مقال بدأت كتابته من حوالى عام لأكمله اليوم .. أكملته رغم أن الغالبية أصبحت تعرف عن سليمان الكثير ، وأستضاف التليفزيون أهله أكثر من مرة ، ونشرت قصته فى أكثر من جريدة بعد أن كانت من القصص الموضوع عليها علامات ممنوع الإقتراب .. فشكراً لمن نفض الغبار وأنا أستحق أن أستنشقه كاملاً لإهمالي .. * * * 26/8/2011