لم تسقط الثورة المصرية نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك فحسب، ولكنها رسخّت نوعًا جديدًا من الفن هو فن «الجرافيتي»، أي الرسم والكتابة على جدران الأماكن العامة، لإيصال رسائل ثورية خارجة عن السائد والمألوف، وبطرق قد يعتبرها البيروقراطيون غير قانونية. وتقوم فكرة «الجرافيتي» على تخريب شكل المنشأة المستهدف وضع الرسم عليها، وإيصال رسالة بعينها، باستخدام بخاخ دهان أو قلم تعليم وغيرها من الأدوات. والتخريب المقصود هنا، رغم أن قوانين معظم الدول تعاقب عليه، لا يتجاوز تغيير شكل الحائط دون استخدام العنف في إتلاف الممتلكات العامة. وغالبًا ما تقوم السلطات المعنية بإزالة هذه الرسوم. وفي صالات فنية تشهد معارض لفن «الجرافيتي»، سواء بإعداد حوائط للرسم عليها أو بعرض صور فوتوغرافية لأعمال «الجرافيتي». ورصدت عدسة «المصري اليوم» رسوم «جرافيتي» تنتشر في الأماكن التي بسط الثوار سيطرتهم عليها، في ميدان التحرير ومحيطه، تتضمن رسائل ومواقف بعينها. ويظهر مبارك في إحدى الرسوم، بالبدلة الحمراء التي يرتديها المحكوم عليهم بالإعدام، وقد التف حبل المشنقة حول رقبته، بينما يقول «أنا فهمتكم»، وهو القول المأثور لنظيره التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، في خطابه الأخير قبل هربه إلى السعودية ثم خلعه. وفي رسم آخر يظهر شخص مجهّل يرتدي بدلة كاملة ويحمل علم مصر ومكتوب بجواره «أنا بلطجي»، في سخرية واضحة من الاتهامات التي تلحق بالثوار كونهم بلطجية، خاصة في بيانات وزارة الداخلية. ولم يكن المصريون المهتمون بفن الجرافيتي، قادرين في عهد مبارك، الذي ازدهر فيه نشاط جهاز مباحث أمن الدولة، على التعبير بحرية وجرأة في الأماكن العامة عن انتقادهم للأوضاع القائمة أو إيصال رسائلهم الساخرة. غير أنهم بعد سقوطه تمتعوا ببعض الحرية في هذا الصدد، خاصة وأن بعض الرسوم تنتقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورئيسه، القائد العام، المشير محمد حسين طنطاوي. ويظهر اللواء محسن الفنجري، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في أحد الرسوم ملوحًا بإصبعه قائلاً «من أنتم»، في تعبير واضحٍ عن رفض الثوار للهجة التي ألقى بها البيان الأخير للمجلس العسكري، والذي تضمن شدّة واضحة اعتبرها الثوار تهديدات غير مقبولة.
