«ابن سينا» هو اسم جماعة فكرية تجمع خبراء ودبلوماسيين وصحفيين من مختلف التوجهات، والذين يهتمون بالمغرب العربى والشرق الأوسط، ظهرت خلال الانتخابات الرئاسية فى أبريل عام 2007، وتم نشر تقرير بعنوان «المغرب العربى.. الشرق الأوسط، مساهمة لسياسة خارجية أكثر فاعلية لفرنسا»، ومن بين المشاركين فيها جوزيف باهوت، دينيس بوشار، آلان جريش، بسمة قودمانى، باتريك ليكليرك، أجنس لوفالوا، جون بيار سيرينى. الصحوة العربية منذ سقوط النظام التونسى، وتبعه سقوط الرئيس حسنى مبارك خلقت وضعاً جديداً للمنطقة بأكملها، وما وراءه يسجل تغييرات عميقة فى النظام الدولى. بقية هذه الحركات لا يزال صعباً التكهن بها، ولكنه غير جزءا من الوضع الفلسطينى، لأن الواقع الحالى ساعد على خلق حكومات عربية أكثر ديمقراطية تضع فى حسبانها وحدة شعوبها مع هذه القضية. وأصبح هناك تقارب فلسطينى وحكومة وحدة وطنية، حتى إن لم تنه الانقسام بين غزة والضفة الغربية، فإنها ستخلق وضعاً جديداً، خاصة منذ أن توصل الطرفان إلى اتفاق من خلال تدخل قوى من جانب مصر. حماس وفتح واجهوا ضغوطاً داخلية من المتظاهرين يطالبون بإنهاء الانقسامات، فتح ضعفت بفشل المفاوضات مع إسرائيل ومع سقوط الرئيس مبارك الذى كان يعضد من إستراتيجيتها. أما حماس فهى غير مستقرة بسبب الثورة فى سوريا (والذى يجب التأكيد على أنهم رفضوا اتخاذ موقف كما طلبت منهم دمشق)، فمع منافسة السلفيين، وتعميق الفجوة بين دول الخليج وإيران، وبين السنة والشيعة، حيث إن جزءاً من موارد حماس يأتى من رجال الأعمال فى الخليج، وجماعة الإخوان المسلمين، التى تعد حماس مشتقة منها، أدانت النظام السورى. هذه البنية لحكومة وحدة وطنية لم تكن ممكنة إلا بالدور الجديد لمصر، إذ كان محتملاً تعريض معاهدة السلام مع إسرائيل للخطر، فكثير من العوامل يجب مراعاتها فى ظل التوجهات الجديدة للدبلوماسية فى القاهرة. حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التى تتكون من تكنوقراط أو مستقلين لا تثير إلا تغييرات هامشية من الاتفاق الدبلوماسى، ووفقا لاتفاقات أوسلو فإن مفاوضات السلام لا تتم بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الفلسطينية وإنما بين الحكومة الإسرائيلية وبين منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن التاريخ الحاسم هو سبتمبر2011مع الإرادة الفلسطينية للمطالبة باعتراف من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. فى هذا السياق الجديد ماذا تستطيع أن تفعل فرنسا؟ إن عرقلة عملية السلام دفعت رئيس الجمهورية الفرنسى لإعلان، فى مقابلة مع جريدة «لاكسبريس» الفرنسية 4مايو، أنه «إذا استؤنفت عملية السلام فى فصل الصيف، ففرنسا تقول يجب ترك أطراف النزاع تتناقش دون التقيد بجدول زمني، أما إذا كانت، على العكس، عملية السلام لا تزال متوقفة فى سبتمبر فإن فرنسا ستتحمل مسؤولياتها بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فلمدة 20 عاما، ونحن ندرك مقاييس السلام ولكننا لم نتقدم خطوة، ففكرة أننا نمتلك الوقت هى فكرة خطيرة. يجب أن نخلص إلى أن هناك نوعين من الأخبار الجيدة، المصالحة الفلسطينية والتفاف حول محمود عباس والحركات الديمقراطية فى البلدان العربية، إسرائيل لا يمكن أن ترضى بقيام نمو اقتصادى بالأراضى المحتلة، وواجب على أصدقائها أن يقولوا لها إن إسرائيل لن تنعم بالأمان إلا بوجود دولة فلسطينية ديمقراطية». هذه الدولة الفلسطينية، وفقا لبنك النقد الدولى، لا تزال ظاهريا فقط، ويأمل بنك النقد الدولى بالخصوص أن السلطات الفلسطينية الآن قادرة على قيادة السياسة الاقتصادية السليمة التى ننتظرها من دولة فلسطينية مستقبلية. المنسق الخاص للأمم المتحدة فى الشرق الأوسط، روبرت سيرى، وصل فى تقريره إلى النتيجة نفسها: «إن طريقة إدارة الحكومة فعالة كفاية من أجل إدارة الدولة». ولكن إذا كان التراجع فى الموقف المصرى، والتوجه الجديد للاعتراف بدولة فلسطين، مع اتفاق الصلح بين فتح وحماس يعدان عوامل تحول الموقف الإقليمي، فإن السلطات الإسرائيلية يبدو عليها الذهول، فقد فضلوا الانتظار والنضال من أجل اتخاذ القرار، وأكدت ردود فعلهم الأولى على الاقتراحات الأخيرة للرئيس الأمريكى أوباما رغبة إسرائيل فى الحفاظ على الوضع الراهن غير المبررة، فالفرضية الأكثر ترجيحا هى اعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية فى سبتمبر المقبل، تحت ضغط بعض الدول الأوروبية. ومع ذلك يجب دراسة مرحلة ما بعد القرار، إذا صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإذا اشتركت فرنسا فى هذا التصويت، ماذا سيحدث؟ وما الذى ينبغى علينا فعله؟ خاصة إذا استخدمت الولاياتالمتحدة حق الفيتو فور انتقال القرار لمجلس الأمن من أجل ضم عضو جديد، كما لمح الرئيس الأمريكى فى خطابه فى ال19 من مايو الجارى، من الممكن تقديم مبادرة لتصبح الدولة الفلسطينية على الأقل مراقباً بدلا من منظمة التحرير الفلسطينية التى هى عليها اليوم، أو أن تصبح الدولة الفلسطينية عضواً فى المؤسسات المتخصصة التى تشكل أسرة الأممالمتحدة. ويمكن لفرنسا المساهمة فى الخطوات لهذا الاتجاه وهذه ستكون فرصة لإعادة بناء محور باريس-القاهرة والذى يمكن أن يكون معبراً لكل دول المتوسط (والذى سيجعلنا ننسى الماضى). ومن جانب آخر فإن اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية على حدود يونيو 1967 سيكون له العديد من العواقب: فتح سفارة حقيقية بباريس. فتح سفارة فرنسية بالدولة المعترف بها حديثا وإرسال سفير محنك. الاعتراف بجواز السفر الفلسطينى. وإقرار أن كافة المواطنين المقيمين بهذه الأراضى ولا يملكون جواز سفر أوروبى، يجب عليهم طلب تأشيرات (شاملا للمستوطنين بهذه الأراضى). وفى النهاية أليس الوقت قد حان لإرساء مبدأ «مسؤولية الحماية» من جانب المجتمع الدولى تجاه الفلسطينيين؟ التكوين الفلسطينى الجديد يثير مرة أخرى مسألة دور حماس، باريس ممكن أن ترضى ببدء حوار مع حماس، وليس للتخلى عن الشروط التى وضعتها اللجنة الرباعية ولكن لوضع نقطة للوصول ولا للرجوع عن المفاوضات- يجب تذكر أن روسيا بدأت حواراً مع حماس، وأيضا يجب تذكر أن الولاياتالمتحدة بدأت حواراً مع طالبان وكانوا يستعدون لجعله أكثر حدة، عن طريق التخلى عن الشرطين المسبقين وهما (وقف العنف، وقبول الدستور)، والتى هى للأسف الهدف من المفاوضات. على الخريطة الأوروبية يمكن لفرنسا أن تلعب دورا لتحقيق هذا المشروع فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ففى مارس 1999 فى برلين، رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى أكدوا على: «الحق الدائم وغير المقيد للفلسطينيين فى تقرير المصير بما فى ذلك احتمال قيام دولة»، ولقد حان الوقت للوصول لخطوة الاعتراف بها. لا يوجد حل دائم ممكن بدون الولاياتالمتحدة: مما يذكرنا خلال خطاب الرئيس أوباما فى 19 مايو، باستعدادهم لتعزيز «السلام الدائم»، ولكنهم مقيدون باعتبارات داخلية وخطوات أوروبية ممكن أن تدفعهم فى الاتجاه الصحيح، وعلينا أن نتذكر أن فرنسا والمجتمع الأوروبى هم الذين طرحوا منذ 1980 وإعلان البندقية فكرة المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى، مبدآن كانا فى هذه الفترة «لعنة» للولايات المتحدة وإسرائيل، هل كان من الممكن توقيع اتفاقيات أوسلو إذا لم تقم أوروبا بهذا الدور الرائد؟ ينبغى أيضا على الاتحاد الأوروبى، فى أعقاب الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية، تعزيز الرقابة على تتبع منشأ المنتجات الإسرائيلية المصدرة وحظر بيع المنتجات القادمة من الأراضى المحتلة. فى إسرائيل بالرغم من موقف الرفض الصافى للحكومة، فهناك مساندة لبعض حركات الرأى العام. شخصيات معظمها من الموساد، من الشين بت، من الجيش ومجتمع الأعمال، قاموا بمبادرة شعبية للسلام فى إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، هذه المبادرة أعقبها توقيع عريضة فى نفس الاتجاه من قبل حوالى 60 شخصاً منهم 17 حائزون على جائزة إسرائيل. الموقعون يشيرون إلى القرار 181 للجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة فى 29 نوفمبر 1947 والتى تنص على «إقامة دولة يهودية ودولة عربية مستقلتين»، وكرروا عدة جمل من إعلان استقلال إسرائيل فى 14 مايو 1948، وأضافوا: «لقد نظرنا حولنا ولاحظنا ما يحدث فى البلدان المجاورة، وقلنا لقد حان الوقت للإسرائيليين لأن يسمع صوتهم». تستطيع باريس والاتحاد الأوروبى أن يشجعوا هذه التطورات، بما فى ذلك التأكيد على رغبتها فى الاشتراك فى نظام الضمانات الدولية الذى وضع قيد التنفيذ، وعقد مؤتمر دولي، لبدء المفاوضات للتصديق على اتفاقية إسرائيلية- فلسطينية. * كاتب فرنسى متخصص فى شؤون الشرق الأوسط