النواب يرفع الجلسة العامة، وغدا الاستماع لبيان وزير التموين    وزير التعليم العالي يلتقي نظيره الفرنسي لبحث سُبل التعاون المُشترك (تفاصيل)    تراجع قيمة صادرات الأسمدة المصرية بنسبة 61% خلال يوليو الماضي    محافظ أسيوط يتابع أعمال رصف طريق ترعة بهيج بمركز أبنوب بطول 1600 متر طولي    السيسي: حصتنا في المياه ثابتة رغم ارتفاع عدد السكان وهو ما أدخلنا في فقر مائي    الجارديان: طريقة اغتيال إسرائيل للسنوار جعلت منه أيقونة وبطلا قوميا.. وأصبح رمزا مثل جيفارا    المجلس الوطنى الفلسطينى:انتهاكات المستوطنين باقتحام الأقصى إرهاب منظم    ثلاثي هجومي للزمالك أمام بيراميدز في نصف نهائي السوبر    زغلول صيام يكتب: عندما تغيب الحبكة الدرامية في قرعة الدوري فلا تسأل عن طه عزت ولا الخواجة الألماني!!    المتحدة للرياضة تنشر صوراً من التجهيزات الأخيرة لغرفتي ملابس الزمالك وبيراميدز    التحقيق مع شخص حاول غسل 23 مليون جنيه حصيلة إتجار بالأسلحة النارية    إصابة 8 لاعبين دراجات بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    قدرت ب20 مليون جنيه.. القبض على تشكيل عصابي لاتهامه بتصنيع المخدرات وترويجها    "نافذة على فلسطين".. برنامج أفلام خاص في مهرجان الجونة السينمائي    "نافذة على فلسطين".. برنامج أفلام خاص في مهرجان الجونة السينمائي    رئيس جامعة أسيوط يُصدر قرارات تجديد وتعيين ل 3 قيادات    الرئيس السيسي: البنية الأساسية في مصر كانت متخلفة    مكافحة البعوض والحشرات ناقلات الأمراض بالرش في الشرقية    نظام غذائي متوازن لصحة الجهاز الهضمي    إعلام إسرائيلي: سماع دوي انفجارات عدة في الجليل الغربي    استمرار حبس موظف بالنصب على مواطن بقصد الاستثمار في الشيخ زايد    نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى كتاب جديد لمصطفى بكري    ضبط 4 أطنان مواد غذائية و2817 لتر مواد بترولية في حملات رقابية بالشرقية    بعد قليل.. محاكمة شابين في واقعة دهس عامل دليفري بالإسكندرية    ندب الدكتور حداد سعيد لوظيفة رئيس جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء    وزير الطاقة القبرصي: مصر شريك مهم داعم للأهداف العادلة لاستغلال الثروات الطبيعية    «القاهرة» الأولي على إفريقيا في تصنيف "ليدن" الهولندي    «شبح الإكس يطاردهم».. 3 أبراج تعتقد أن شريكها السابق أفضل    مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة عصام السيد    87 شهيدا ومفقودا وأكثر من 40 مصابا جراء مجزرة الاحتلال فى بيت لاهيا شمال غزة    رد الجنسية المصرية ل24 شخصًا.. قرارات جديدة لوزارة الداخلية    ضبط 688 بطاقة تموينية وتحرير 495 محضرا بالمراكز والأحياء في أسيوط    استشهاد 759 فلسطينيًا برصاص الاحتلال في الضفة المحتلة منذ أكتوبر الماضي    قوافل طبية لعلاج المواطنين مجانا بالشرقية    وزير الزراعة: نعمل على حل مشكلات المزارعين وتشجيعهم على زيادة الإنتاج    حكم استخدام زخارف المصحف في ديكورات الأفراح.. الأزهر للفتوى يوضح    هاتريك ميسي يقود إنتر ميامي لرقم قياسي في الدوري الأمريكي    قيمتها 60 مليون جنيه.. القبض على 7 أشخاص بتهمة غسيل أموال بتجارة المخدرات    قيادي حمساوي: استشهاد السنوار أمر داخلي للحركة.. وحماس لن تنتهي (حوار)    «لقيته جايلي بالجوانتي وعنده 5 سنين».. أحمد ناجي يكشف مفاجأة عن شوبير    الفنان محمد فوزي.. ذكرى وفاة عبقري الموسيقى    حزب الله يستهدف كريات شمونة شمال إسرائيل برشقة صاروخية    ما معنى «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»؟.. أسرار الآية (216)    مفتي الجمهورية يوضح حكم عمليات تجميل الأنف    هل مقولة "اللي يحبه ربه يحبب فيه خلقه" صحيحة ولها أصل في الشرع؟.. الإفتاء توضح    جامعة قناة السويس تحقق إنجازا عالميا جديدا    «ارتفاع عز وهبوط الاستثماري».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    نائبًا عن السيسي، وزير الأوقاف يشارك في حفل تنصيب رئيس إندونيسيا الجديد (صور)    ماذا يحدث فى الكنيسة القبطية؟    استشاري: السيدات أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام «المرض الصامت»    التشكيل المتوقع لمواجهة ليفربول ضد تشيلسي يوم الأحد    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    اليوم.. إعادة إجراءات محاكمة متهمين اثنين في «فض اعتصام رابعة»    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    أمريكا تُحقق في تسريب المعلومات بشأن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران    ملف يلا كورة.. قرعة الدوري.. الهزيمة الأولى لأرسنال.. و"يد الأهلي" بطلًا لأفريقيا    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    هشام يكن: الزمالك سيدخل لقاء بيراميدز بمعنويات عالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاطمة ناعوت تكتب: الغرابُ الجميلُ.. المجنىُّ عليه!
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 12 - 2019

اليمامة: جميلة. الفراشةُ: رقيقة. البومة: شؤم. الغرابُ: أعوذ بالله!.
هكذا نصنِّفُ الكائناتِ ونمنحُها ألقابًا ونعوتًا ومناقبَ، من خلال ثقافتنا البشرية، التى لا تعنى لتلك الكائنات شيئًا. الفراشةُ جميلة لأننا نقرنُها بالزهور، لكنها فى الأخيرة حشرةٌ تتطابق تشريحيًّا مع الذبابة التى نحتقرُها. واليمامةُ التى يشبِّه بها الشاعرُ حبيبتَه، طائرٌ لا يختلفُ ريشةً عن البومة التى نكرهها لأننا لا نستطيع تحمّل وسامة وجهها، أو الغراب الذى نلعنه يوميًّا فى أحاديثنا وأمثالنا الشعبية.
فى بثٍّ مباشر على صفحتى، صوّرتُ فيديو من شرم الشيخ لفتاة أجنبية حملت قطع الخبز والأجبان، فتوافدت عليها أسرابُ الغربان تأكل على كفِّ يدها، وقلتُ: «طوبى للرحماء لأنهم يرحمون». ولم أتوقف عند التعليقات المراهِقة التى شتمتنى وذكّرتنى بالأطفال الجوعى!، وكأن الفتاة انتزعت لقمةً من فم طفل ومنحتها لغراب!، ولكننى توقفتُ عند بعض تعليقات راحت تلعن الغربان وترميها بالقبح والبشاعة!.
يقول «عمانوءيل كانط»، فى معرض كلامه عن علم الجمال، أو الإستاطيقا Aesthetics، إن الشخصَ الذى يقول إن لونَ عصفور الكناريا مقبولٌ، حرىٌّ أن يقول: «مقبولٌ بالنسبةِ لى». فلكلِّ شخص ذائقتُه الخاصةُ ومعاييرُ استقباله للجمال. فقضيةُ «الجمال» تختلفُ عن مجرد «المقبولية». لأن الشخصَ الذى يُقرُّ بأن هذا الشىء جميلٌ، فكأنما يطالبُ الآخرين بأن يروا بعينيه، ويقرّوا بما أقرَّ. والخطأ هنا هو اعتبار «الجمال» «خصيصةً» من خصائص الأشياء. وهذا ليس صحيحًا. فالجمالُ ليس «صفةً» فى الشىء. الصفاتُ هى: الشكل، اللون، الحجم، الملمس... إلخ. بينما الجمالُ «حُكْمٌ» قيمىّ يختلفُ باختلاف الشخص «المُقيِّم». الحُكمُ على شىء بأنه «جميل» تتحكم فيه عواملُ ثلاثة: الحواسُ، العاطفةُ، والمستوى الفكرىُّ للإنسان. وهناك قيمتان تتحكمان فى الإحساس بالجمال لدى الإنسان. هما: إستاطيقا الشىء (القيمة الجمالية للشىء)، ثم الذائقة الشخصية. والإستاطيقا هى الفكرةُ الفلسفية عن الجمال، بينما الذائقةُ هى نتاجُ البيئة المحيطة والطبقة والتعليم والوعى الثقافىّ؛ وبهذا، فالذائقةُ يمكن تطويرُها وتغييرُها وتهذيبُها.
بعد الحرب العالمية الأولى، كفر الفنانون والمثقفون بكلِّ الأعراف البرجوازية التى أدّت إلى كلِّ ذلك الدمار الذى اجتاحَ العالم. فظهرت حركاتٌ فنيّةٌ عدمية ثائرة على فكرة الجمال السائدة المستقرة فى الذهن الجَمعىّ للبشرية؛ مثل: الوحشية والدادائية والسريالية، عملت على تحطيم كلّ التقاليد الجمالية والفنية السابقة. عام 1917 أحضر الفنانُ الفرنسى مارسيل دوشامب «مبولة» ومنحها اسم «النافورة»، ثم عرضها فى معرض فنى بوصفها قطعةً فنية! وقال للصحفيين: «أودُّ زحزحةَ بؤرة الفنِّ عن كونه عملًا جماليًّا بصريًّا، إلى أن يغدو تأويلًا عقليًّا». صحيحٌ أن أحدًا لم يرها قطعةً فنيّةً أبدًا، وصحيحٌ أنها اعتُبرت دعابةً فجّةً ضدّ- فنيّة anti -art، وصحيحٌ أن تلك النافورة قد أُلقيت مع القمامة بعد المعرض وفُقدَت إلى الأبد، لكن دوشامب نجح مع أبناء المدرسة الوحشية والتكعيبية فى خلخلة المفهوم القديم السائد لفكرة الجمال عند الناس. وهو ما مهّد الطريقَ لفنانى ما- بعد- الحداثة فى الستينيات الماضية الذين احتفوا بإستاطيقا القبح، أو المفهوم الصادم للجمال. فحلَّتِ الملابسُ المكرمشة والممزقة محلَّ المكوية السليمة، والشَّعرُ الأجعدُ المتموّج محلَّ الناعم المنسدل.
والحقيقة أننى أحبُّ الغُرابَ وأستعذبُ صوتَه، وأراه جنتلمان أنيقًا يرتدى بدلة إسموكنج سوداء وقميصًا أبيض، يختالُ فى كبرياء لا مثيل لها، ويسخرُ من تشاؤمنا منه. نحن نتشاءمُ منه بسبب مُحَملّنا الإرثىّ والثقافىّ والدينىّ عنه. فهو الذى أرشدَ أوَّلَ قاتلٍ فى التاريخ إلى كيفية دفن قتيله هابيل؛ فأصبح رمزًا للموت والقبور والشؤم! فلِمَ لا نعتبره أوّلَ معلّمٍ فى التاريخ؟! وحين أرسله نوح، عليه السلام، من السفينة ليختبر وجودَ أرض يابسة، ذهب ولم يعد، فدعا عليه نوح بألا يألفه الناس. فمَن أدرانا لعلّه ماتَ فى الطريق!.
دعونا نحرّر عيوننا من المُحمّلات الإرثية، لنستمتع بجميع خلق الله؛ الذى خلق فأبدع. انثروا حبوبَ القمح فى شرفاتكم، كما أفعلُ، حتى تلتقطها الغربانُ والعصافيرُ دون تمييز. «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».
 


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.