قبل أن ينفى المجلس العسكرى ما تردد عن اتجاه المجلس للعفو عن الرئيس السابق «حسنى مبارك» وأسرته، كان الشعب قد قال كلمته: حركة شباب «6 أبريل» دعت إلى «جمعة رفض الاعتذار»، وكل الثوار رفضوا الفكرة، فالشعب لن يخضع للابتزاز العاطفى. و«مبارك» ليس بالسذاجة التى تجعله يعترف - ضمنيا- بجرائم ارتكبها فى سياق الاعتذار وطلب العفو. لكن تلك الأنباء فجرت عاصفة من الجدل، حول إفراج جهاز «الكسب غير المشروع» عن «سوزان ثابت»، والدكتور «فتحى سرور»، ثم الدكتور «زكريا عزمى». صحيح أن النيابة العامة طعنت على إخلاء سبيل «زكريا عزمى»، لكن فكرة الإفراج عنه لكبر سنه ومرضه وعدم تأثيره على سير التحقيقات، هى فكرة صادمة للرأى العام!. أما «فتحى سرور» فقد قدم أدلة قاطعة تفيد بأن الممتلكات التى ذكرتها تحريات هيئة الرقابة الإدارية، ومباحث الأموال العامة، لا تخصه (!!) فإذا كانت التحريات متعجلة أو غير دقيقة فهذا حكم مسبق ببراءة كل من قدم للمحاكمة فى جرائم استغلال النفوذ، وتضخم الثروة. وقد تكررت الواقعة مع «سوزان ثابت»، حيث نسبت إليها الجهات الرقابية ملكية فيلا بمصر الجديدة، ثم تبين أنها مملوكة لجهة سيادية! وكأننا أمام مسلسل كوميدى يبدأ بلقطات فيديو لأسرة «مبارك» ورموز حكمه وهم يتنقلون من وإلى «طرة»، مع مانشيتات نارية حول ثرواتهم المشبوهة وحالة السفه الجماعى فى إنفاق أموال الشعب.. ثم فجأة تأتى البراءة لتطيح باحتمالات عودة ثروات مصر المنهوبة! وأخشى أن يضطر الشعب المصرى لتنظيم حملة تبرعات للمُفترى عليهم من رموز النظام السابق!، أو أن يتم تكريم بعضهم لأنه أعاد لخزينة الدولة ما استولى عليه، كما فعلت «سوزان» برد 24 مليون جنيه، بزعم أنها كانت تديرها باعتبارها «زوجة الرئيس»، وتنفقها على النشاط الخيرى!. وبما أنه لا فرق بين مصر ومبارك، فإن الرئيس السابق قال إنه احتفظ ب 143 مليون دولار من تبرعات مكتبة الإسكندرية خشية «هبشها».. ووضعها هو فى حسابه!. لقد جاءت الثورة لتحاكم بالقانون وترسى قواعد العدالة، والقانون - كما نعلم - أوله ترتيب أوراق، وأوسطه ثغرات لا حدود لها، وبالتالى تكون البراءة آخره، حتى وإن لم تعجبنا!. القضاء لا يحكم وفقاً لهوى الشارع ولا برغبة المظاهرات المليونية، فذلك هو الظلم بعينه. والقانون المصرى لا توجد به جريمة اسمها «الفساد السياسى»، لكن هناك جرائم تؤدى إلى الفساد السياسى، منها الرشوة واستغلال النفوذ والإضرار بالمال العام. «مبارك» إذن لن يُعاقب على مسؤوليته عن تزوير الانتخابات، ولا عن أرواح شهداء العبارة. وبحسب تصريحات المستشار «عبدالعزيز الجندى»، وزير العدل: (قد يتم الاكتفاء بتنازل «مبارك» وزوجته عن أموالهما فلا يحاكمان فى قضية الكسب غير المشروع، لكن تستمر محاكمة «مبارك» عن القضايا الجنائية). وليس لدينا تهمة جنائية إلا إطلاق النار على المتظاهرين ومن السهل تبرئة «مبارك» منها!!. لقد رفض ثوار 25 يناير «المصالحة» مع بعض رجال الأعمال الفاسدين، لكن القانون يعطى لهم الحق فى تسوية فروق الأسعار، خصوصا فيما يتعلق بالأراضى.. وبحسب فقهاء القانون ستتم تبرئة معظم رجال الأعمال!. لقد عمل نظام «مبارك» 30 عاما على تشويه الدستور وتدشين قوانين تصادر الحريات وتحصن الفساد.. فلا تتعجبوا من نتائج المحاكمات!!