عبود من شيوخ المتسلفة المصرية الغوالي ، صاحب مزاج في الغلو عالي ، بالسلف اتمسح ، وقرأ القرآن واتنحنح ، وأطلق للحيته العنان ، وجعلها عدة الجنان ، ولثوبه شمر ، وفي وجوه الناس عبس وكشر ، تكشيرة الترح لا الفرح ، اتغشينا وقلنا زاهد في الترف ، طلعت تكشيرة قرف . وهنا سأل من خلف هولاء السلف : ما هذا القرف ؟ فأجاب عبود اللسن : من شركاء الوطن ، لأنهم عباد وثن ، يتشدقون بالإسلام ، وهم عباد أصنام ، بالأضرحة طائفين ، ولتوحيد الطوفي ناكرين ، وللحى مقصرة أو حالقة ، وللنقاب جاحدة ، وهم في الآخرة أشاعرة ، في رجس الشرك وأوحاله ، يهيمون بالأزهر ورجاله . وهؤلاء مسلمون مجازا ، أعطيناهم بها جوازا ، على سبيل التقية ، لا نصرة ولا حمية ، حتى إذا أتى الفرج ، أقمناهم على المحجة بلا عوج . بسيف من حديد ، بسلاح توحيد الحفيد ، كما قاتل أسلافنا في نجد ، وأقاموا دولة المجد . وأما الشركاء الأُخر / فما داموا لا يدفعون الجزية ، فليس لهم عندنا لزمة ، قد انتقضت ذمتهم ، فبرئنا من عهدتهم . ولهذا وذاك ، وهاتيك وهاتاك ، بالنحوي السعودي ، وما لم يأت في قاموس المسعودي ، علينا أن نسعى جاهدين ، على تخليص البلد من الاثنين . وعاش الناس في وادي ، وعبود بالنقاب ينادي ، وبإطلاق اللحية يهاتي ، ومعارك على التوحيد والتجريد ، عليها يضرب بيد من حديد ، ويكفر ويفسق ، ويكذب ويلفق . وفي وسط معاركه الله يساعده ، سأله واحد جنبه عن فلسطين ؟ غلوش وقال إيه مش عارف ، واتكلم عن فلسطيني مشهور بين المعارف ، وقال : فلسطيني راجل زين ، تاب الله عليه من الشيشة ، والقعاد مع الحشيشة . قالوا له يا مقدس ، فلسطين بيت المقدس ، سكت وأطال ، وبعد سكوته قال : هباء ! إن كان لها عندنا غير الدعاء . ورفع إيده ودعا من فيلم اللمبي ، وقال في كلام مستخبي ، أبصر إيه يالي جنبي . يخسارة يا عبود ! لما شفناك قلنا والله هتعود ، أيام السلف الصالح ، والحب والسعي في المصالح ، وإعانة العباد في رفع المضرة ، ونشر الفرح والمسرة ، زي ما قال الدين ، ووصى نبينا الأمين . وبعد ما كنا فيك متوسمين ، أن تسعى بالدين لتحرير فلسطين ، سعيت لتكفير المسلمين ، وأعلنت الحرب على الموحدين ، وطلبت هدم كنايس المسحيين ، وقلت لا دول ولا دول على دين ، ولا هم مواطنين صالحين ، وعلى سكان فلسطين ، أن يخرجوا مهاجرين ، فالعيش بين الكفار حرام ، كما جاء في فتاوى الغرام ، لشيخنا الألباني ، وتابعه عليها كل بان ، لطريقة الخرف ، والعار والتلف . طلعت كلك كذبة يا عبود ، رسمت نحسك برسم السعود ، واتمسحت في السلف ، وانت وراك وقدامك تلف ، وكلامك كله كلف . قلت سلفي وظهرت تلفي ، قلت مُجرد طلعت منه متجرد ، أطلقت اللحية طلت من بينها حية ، حطيت الحطة ، ورسمت في عنيك وداعة قطة ، طلعت قططتك نجدية ، واحنا حسبناها مشمشية ، والفرق بين الاثنين معروف ، المشمشية نوع ألوف ، والنجدية نوع حلوف . عبود في صورة مرسومة بإيد النبي مشغولة : لكن تعرف أنا شفتك يا عبود في صورة ، برسم المصطفى مشغولة ومرسومة ، دا جد مش هزار ، في حديث رواه ابن حبان والبزار ؛ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قالَ رَسولُ الله صلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّما أَتخوَّفُ علَيكُم رَجُلا قَرأ القرآنَ حتَّى إذا رُئِيَ عَلَيهِ بَهْجَتُهُ ، وَكانَ رِدْءًا للإِسلامِ ، اعْتزَلَ إلى ما شاء الله ، وَخَرجَ عَلى جَارِهِ بِسَيفِهِ ، وَرَماهُ بِالشِّرْكِ " . والصورة واضحة المعالم ، شفناها في رسمك يا عالم ، رسمت بريشة فنان ، صورة صلاتك وقراءتك للقرآن ، وخديعت الناس بحضرتك ، واغترارهم بهيئتك ، وصدمتهم بنشرتك ، إن جيرانك في الوطن كفار ، قتالهم واجب مشروع ، بلا فرق بين أصول أو فروع . ولعمري إن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم منها عظيم في الدين ، كما قال العلماء العارفين ، فكيف بإخراج أمة بأكملها ، وتكفير بلاد بأجمعها . ولكن لم لا يكون هذا هو القرار ، وقد قال مفتيهم الكرار ، من الرياض العاصمة ، وباسم الشريعة الحاكمة / إن مصر والشام وسائر أقطار الإسلام ، التي لا يحكم فيها بالقرآن ، بلاد حرب لا بلاد أمان . وعشان ما يفتحش متاهة ، ويطلبوا هجرة للسعودية وإقامة ، قال المفتي االهمام ، لكن ليس على المقيمين بها ملام ، ما دموا مكرهين على الإقامة ، وليس بهم على الهجرة استطاعة . يا ابن الإيه يا لذينا ، كت خليك لذيذ وقول لا يجوز دنيا ودينا ، واتفضلو عندنا . وكونوا من أهلنا ، وتوهبوا زينا . آه لو كان ، كنا توهبنا ، وللأشعري طلقنا ، ولتوحيدكم رددننا . وقلنا باي باي يا فلسطين ، فنحن في مصر بين الفلس والطين ، وأمن الدولة بيقسم علينا الاثنين ، وبيعزم بشدة يا تشيل يا تنضرب بالجزمة ، وقد دعانا الريال ، والناس أمامه عيال . ومن الساعة هباء أن يكون لك عندنا غير الدعاء ، حتى يصدر مرسوم آخر ، من سيدنا عبود وعبد الله وعبد الآخر . بس حظك حلو يا فلسطين ، المفتي بخل علينا ، كأنه قرأ عنينا ، وعرف إن إحنا مؤمنين ، بأنه قدر مكتوب على الجبين ، إن يكونوا المصريين ، هم فداك يا فلسطين . عبود والسلطة في بلاد الحرب بزعمه ، حيث لا شرع ولا قانون سوى أمن الدولة : لكن عبود سلفي العصر ، متقدم زي عصره ومتحضر ، وعشان ينجح مسعاه ، وينال مراده ومرماه ، غير في الخطة وعدل ، وقال بلا لوم ولا عزل ، توكلنا على المداهنة ، للدخول مع الإخوان في مراهنة ، وأعلن الولاء للسلطة الحاكمة ، وللشريعة ناكرة ، وبأهلها ماكرة ، واتنبح صوته بتحيا الملك ، وابن الملك إللي أمه ملك ، وأعلنها بصراحة ، عليكم عباد الله بالطاعة ، واحفظوا بيعة مليككم مبارك ، وأعلموا أن من نازعه في الشر بارك ، وعلينا قتاله واجب ، هو ومن له مناصر أو مواكب ، وأن ولي عهده من بعده ، هو الموسوم بعهده ، رب العائلة وأبو العيال ، الزعيم جمال . اتنقم الله منك يا عبود ، هو دا الولاء والبراء ، تمالئ الأعداء ، وتاخد دور على حساب دينك ، ولمحاربه تقوله أنا على دينك وحياة عينك ، وتعمل لأمن الدولة أجير ، وعلى المسلمين دليل . إخص ألف خصاية ، من أرض مرشوشة بمبيد والى ، ومسمدة بسماد غالي ، ركب في مركز عزرا الزراعي . المتسلف عبود وثورة الأحرار في ميدان التحرير : ولما قامت الثورة عبود انزعج ، على سيده وأصابه الفلج ، حتى إذا أفاق من الصدمة زعق ونعق ، وقال عباد الله / اسمعوا حديث الخطيب اللسن ، الذي جمع حديث الفتن ، شيخ بيت الفقه سامي ، وكذا شيخنا متعدد الكنى والأسامي ، أبو إسحق الحويني الأثري السلفي ، وشو أبصر ما ادرك بعد كده إيه ، ابن حوا وآدم ابن الإيه ، أبو الإسناد العالي ، وتعاملوا مع مبارككم بالإحسان ، واسمعوا لمولانا محمد حسان ، ولا تجروا في مذاهب المتهوكين ، واسمعوا لشيوخ المتوهبين ، فهؤلاء أصحاب إجازة ، رضعوها بالبزازة ، من الشيخ بن باز ، وشيوخ دولة الجاز ، مدموغة بالريال ، ومدعومة براحة البال . الفبركة السلفية بعد نجاح الثورة المصرية : وبعد نجاح الثورة المصرية ، قلع عبود العباءة المباركية ، وخلع البيعة الجمالية ، وخرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، مفارقة بلا رجعة ، إذ ليس لأحد بعدهما في عنقه بيعة . كما تقول الأسطورة الوهابية ، في رسم الدولة الحنبلية ، بالأوامر العبدلية . أوامر عبود بعد الثورة وأحكامه وسواد أيامه : ومن يوم الثورة وعبود طايح ، وفي سكته واخدنا ورايح ، على طريق الحدود ، مش بين مصر وليبيا أو السودان ، لكن حدود قطع الآذان ، ونازل فينا خطب وحكم ، بأدلة منزوعة الدسم ، ساعة يقول اهدموا القبور المُشرفة ، وبعد هدمها يقول دي أعمال غير مُشرِّفة ، وساعة يقول احرقوا الكنايس ، وبعد حرقها يقول دي دسايس ، وساعة يقول نحن للمنابر دون غيرنا ، فليس ثم مُوحد إلاّنا ، وبعدها يزور الأزهر ، ويقول دا للإسلام رمز ومظهر ، وساعة يقول الإخوان طلاب سلطة ، ويبقى أحسن لو باعوا سلطة ، وبعدها يقول لا سلفية ولا إخوان ، إحنا الاثنين سيان ، ونحن والأقباط في الوطن جيران ، ويمكنك تقول إخوان . والأمر لله يا جدعان . على رأي المثل بتاع الطوفان . والموج العالي ، وسائر الأمثال الدوالي . مالك يا عبود مذبذب ، في كل عباءة تتقلب ، وأقوالك صارت حائرة ، تدور كالشاة العائرة ، ترعى مع كل طائفة مرة ، غنى عبود من غير موال ، ولا ناي الريس متقال / صافيني مرة وجافيني مرة ، موجة وتعدي ، ولازمنا نهدي ، بس نقعد على كرسي السلطنة ، ونعلنها دولة مُسرطنة ، ساكنها إما أن نعديه ، أو نعاديه ، والخيرة في الاثنين خسارة ، فنحن من المعدي على حذر ، وليس للمعادي سوى سقر . مسلسل عبود قبل النهاية : إسمع يا ابن بلدي يا غالى ، صورة عبود رسمتها بخيالي ، من وقائع أيامه ، ودروسه أحلامه ، ومن كتب أمجاد الدولة النجدية ، وما دونته باسم التوحيد من مجازر ، ومن قُتل من القبائل والعشائر ، وراجع قبل البداية كيف تكون النهاية ، من كتاب / عنوان المجد في تاريخ نجد . لتعرف المستور ، وتكشف الحقيقة من الزور . وكيف ستسير معهم الأمور ، في تصحيح التوحيد ، والتجريد والتجديد ، وشعارات طلعت في بلاد الحجاز ، حرقت الناس بالجاز ، وقتلت من الخلق ألوف ، ومن الصالحين صنوف ، وفي نهاية كل المجازر ، تطلع النشرة النجدية ، بخبر مباشر وغير مباشر ، تقول : قامت ملحمة مشتهرة ، لم يقتل من المؤمنين فيها سوى عشرة ، لأهلهم منا حسن العشرة ، ولهم من الله الجنة . وعدا لازما ، لا تأليا ولا تحكما ، ولكنا أبناؤه وأحباؤه ، وأصحاب ولائه ، والفرقة الواحدة الناجية ، كما نصت الأحاديث المروية . . و و ، ومبررات لأعمال العنف كثيرة ، لها في الكتاب عندهم أدلة مشهورة . نصيحة أجعلها عند القراء وديعة : فافهموا يا أهلي واصحوا قبل فوات الأوان ، قبل ما تكثر الأحزان ، عندما تمتد يد القهر ، فتسألكم إما التسلف أو القبر . وإياك أن تخدعك وأنت تختار للشعب رئيسه ونوابه ، هذه الأشكال المدهونة ، وتذكر أننا في سنين خداعات ، كما قال سيد السادات . وفي اختيارك للسياسة ركز على الساسة ، العالمين بها ، من الدارسين لها ، والعاملين في ميدانها ، وليكن أولى بالولاء ، الأتقياء منهم والصلحاء ، فإن وجدوا فهم أولى باختيارك ، إن وجد متوسط الديانة ، العالم بالسياسة ، والجاهل بها متين الديانة ، فخذ صاحب الدين المتوسط ، واعلم أن هذا هو حكم الدين الوسط ، لأننا نختار ساسة لا شيوخ أو مجذوبين ، وكما في المولد يقولون مدد يا أبو العينين ، وفي الفتوى يسألون إمام المفتين ، وفي الوعظ يختار الأئمة الخريجين ، كذلك الجهاد والسياسة في حكم الدين ، وللكل في كلٍ مشاركة ، لكن ليس على وجه السلطة ، والتسلط عليها عنوة . إنما مشاركة الشورى والنصيحة ، وتزكية الأصلح وعزل الفاسد قبل الفضيحة . وكتبه / محمود عبد العزيز سليمان ماجستير في الحديث وعلومه، كلية أصول الدين ، جامعة الأزهر.