"كل الفنون تطمح إلى أن تكون موسيقية" مقولة شوبنهاور المؤلف الموسيقي العظيم، تتجلى في فيلم سينمائي يتحول فيه العالم كله إلى وتر، ترمز نغمات آلته الموسيقية لأصناف البشر، حاول فيه الكاتب التجوال بين لحظات نفسية في حياة أبطاله مستعينا بتقنية الفلاش باك "الاسترجاع"، في مغامرة تحمل الكثير من الثنائيات المتناقضة، فهي قصة بوليسة بحتة، أبعد ما تكون عن الرومانسية، ولكن المعالجة الرومانسية التي جعلت وتر آلة "تشيللو" العريقة المحور المحرك الذي يستدعي مشاعر كل شخصية، في تجربة أقرب إلى المدرسة التعبيرية في غوصها داخل النفس البشرية لإخراج ما بها من آلام وعقد ماضوية تخيم بظلالها لعى واقعها وتحطمه. ويكمن التناقض الثنائي في التأرجح طوال الوقت بين البوليسية والرومانسية، الحب والكراهية، الطمأنينة والشك. فالبطل (ضابط مباحث) بأداء الفنان مصطفى شعبان، مرآة لشخصية (حسن) الملحن القذر بأداء الفنان أحمد السعدني، الأول يتحمل وزر الآخر ويدفع ثمن أخطاؤه، وثمن اختياره هو أيضا. والأختين مرآة لاختيار الأم الخاطئ، فكلتاهما دفعتا ثمن اختيار أمهما الخاطئ، لزوج فاسد، الذي هو صورة ممسوخة في مرآة زوجها الراحل. اعتمدت الرؤية الإخراجية على تجسيد لحظات ماضوية يعيشها خيال الأبطال بين لحظة شك ولحظة طمأنينة في تأرجح متناغم في منظومة الثنائيات التي اعتمدها الحدث وأكدها المونتاج. فالبطل يتأرجح بين الشك (طبيعته البوليسية) في غطار البحث الجنائي عن القاتل، والطمأنينة (حنينه الرومانسي) للحب وتعلقه بالبطلة. ويثور تساؤل مهم في ذهن المتلقي الذي انخع في حقيقة أزمة الضابط التي سعى الفيلم طوال الوقت للتأكيد على عشقه للمرأة الفنانة العطوفة التي التي تفتقده والتي راحت ضحية طلقة غادرة من مسدسه أثناء محاولته إصابة الوغد الذي حاول الاعتداء عليها. عاد الحدث لينقضها في نهايته، وينقض معه خطاب البطل والفيلم، فتصرفات البطل تأتي في سياق تعرضه للخيانة من قبل زوجته الفنانة التشكيلية، وإطلاقه الرصاص عليها حال ضبطه لها في منزلهما، فهل كان يشتاق لزوجته الخائنة في عيون الفتاتين الأختين، ويريد استكمال الدرس أم كان بحاجة للانتقام من زوجته وفعلتها في كل فتاة يقابلها؟ والأكثر وضوحا في المعالجة الدرامية هو التأكيد على دور التناغم بين الأفراد في المنظومة الواحدة، من خلال استعراض دور ضبط الأوتار في الآلة الواحدة، يؤدي لنجاح اللحن، ولو اختلف وتر واحد يفسد اللحن كاملا، وفي الفيلم رسالة مفادها عدم زواج الأم بعد رحيل الأب، لأن فرصة الاختيار الخاطئ كبيرة والنتائج ستكون وخيمة. وفي المقابل ينجح التناغم بين الأختين في نجاح مخططهما للخلاص من زوج الأم الفاسد، وانتهاء بافلاتهما من العقوبة باتقانهما العزف الثنائي للنوتة المزدوجة التي ألفها الملحن حسن باللعب على كلتا الأختين، وانتهاء بقتلهما له وانقطاع الوتر الرومانسي الجميل بين أطراف العمل الفني ( الملحن والعازفتين).