لعل أحداً منا لم يسمع من قبل أن الأقباط قطعوا طريقاً , و لعلك لا تتذكر على مدى عمرك عن مظاهرة للأقباط أصلاً. فهؤلاء الأغلبية منهم تتصف بالتسامح الذى قد جعل الآخر يراهم مستضعفين و أقلية, و البعض الآخر منهم متسامح أيضاً لكنه يطالب بحقوقه فكان يرى ان حل مشاكلهم يكمُن فى تدويل القضية, و ينظر للمنظمات القبطية فى المهجر على أنها المحامى العام و الملاذ الوحيد للحصول على حقوق المواطنين فى الداخل. هذه ما نعلمه عن الأقباط, و هذا ما هم لا يعلمون غيره, و يتسائلون فيما بينهم "من امته احنا بنطلع فى مظاهرات ؟ احنا نصلى و نسي ربنا يتدخل." بعد حادثة القديسين و تحديداً يوم 1/1/2011 فى أول العام الذى سقط فيه النظام و رئيسه, كان عدد ما لا يقل عن 10 آلاف مواطن قبطى فى دير مار مينا يودعون شهداء مصر فى هذه الحادثة البشعه, و عندما بدأ الأنبا يؤأنس -سكرتير البابا- بشكر الرئيس (السابق) محمد حسنى مبارك, صرخت حشود الأقباط لأأأأأأ , لأأأأأ بطريقة جعلت المكان يهتز من حولهم, كما نددوا بمحافظ الاسكندرية الأسبق عادل الغير لبيب. فهؤلاء كانوا أول من قال "لأ" جماعةً و صراحةً للرئيس نفسه ,أمام رموز نظامه و أعضاء حزبه المُنحل. و لأننا بعد 25 يناير, يُدرك أى مواطن منا ان السبيل الوحيد لتحقيق مطلبه الفردى أو الجماعى هوأن ينزل هو و مجموعة من زملائه ليحتجوا , أو يعتصموا , يأتلفوا, أو يتحدوا , و اذا كانت لديهم مقدرةً ماديةً يتحزبوا و يعلنوا تأسيس حزباً جديداً ! هذا هو الوضع الذى لا يخفى على أحد. فبعد هدم كنيسة أطفيح خرج الأقباط ليعتصموا أمام مبنى الاذاعة و التلفزيون فى ماسبيرو, لديهم مطالب بإعادة بناء كنيستهم و محاكمة المتهمين. لكن اعتصامهم دام لعدة أيام طالبين ببيان رسمى من المجلس العسكرى و عدم الاكتفاء بوعود كلامية, و مع أنه أصدر حتى الآن 48 رسالة, تعنت المجلس العسكرى و لم يحقق لهم مطلبهم ببيان رسمى ربما لئلا ينفذ الحبر و الورق فلا يستطع اكمال اصدار البيانات اللازمة لحين الانتقال السلمى للسلطة !! أعلن الأقباط تكتلهم فى "اتحاد شباب ماسبيرو" و هو أول ما توجهت إليه الأنظار بعد حرق كنيسة السيدة العذراء فى امبابة و أعمال الشغب هناك. فالكل سأل هل سيعاود الأقباط اعتصامهم ؟ و لم يُترك الوقت للاجابة فسُرعان ما تحرك الأقباط من جديد ليعتصموا مجدداً , دون مطلب ببيان رسمى هذه المرة , و لكن بمشاعر غاضبة جداً و مستاءة تم حبسها و كتمها على مدى خمسون عاماً لدرجة أنهم هم أنفسهم بعضهم يذهب للاعتصام متسائلاً : هل أذهب لأعتصم ؟ أم أقف لأصلى و أنتظر عمل الله ليأتى لى بحقوقى دون أن أطلبها ؟! و هل التظاهر أسلوب مسيحى ؟ و اذا كان صحيحاً فلماذا لم تعودنا الكنيسة على التظاهر ؟ لماذا لم تعلمنا كيف نطالب بحقوقنا و علمتنا فقط التسامح مع الآخر ؟ أنسيت الكنيسة قول السيد المسيح عندما لطمه العبد : "لماذا تضربنى؟" ؟ ألم يحتج المسيح نفسه ( كلى التسامح ) على تعدى العبد عليه ؟ كلها أسئلة تبدو بسيطة , لكن الشعور المتضارب الذى يشعر به القبطى بين مؤيد لاعتصام و تظاهر و بين رافض هو الذى يضع فى ذهنه هذه الأسئله. اعتصم الأقباط أمام ماسبيرو , و على غرارهم تظاهرات فى المنيا و سوهاج, و نزلوا ليقفوا السكندريين منهم أمام المكتبة ليحتجوا على ما حدث , فكانوا هم الحدث نفسه. قام البعض من الشباب القبطى الغاضب و المحتج , و دون قيادة أو تنظيم, بقطع الطريق لمدة تزيد عن الساعة على مدار ثلاثة أيام متتالية حتى اليوم , اعتدوا على بعض المارة , و كسروا بعض زجاج السيارات فى تصرف يخرج عن نطاق دينهم المتسامح و الأدب العام. و رغم محاولات الأغلبية العاقلة من الأقباط المحتجين نفسهم لاحتواء الموقف و فتح الطريق بسرعة, إلا أن أغلب المحاولات باءت بالفشل مع شعور غضب يخرج من شاب وُلد و تربى و عاش كل عام من عمره يسمع عن حادثة أو اثنين على الأقل تعدى على كنيسة , قتل قبطى بواسطة مختل عقلياً , و مع العام الجديد فُجرت كنيسته و لم يحاكم أحد ! .. فاليوم فُجر غضبه. مصر تمر بمنحنى خطير جداً , و الحرب الأهليه لم تعد فكرة مُسبتعدة الحدوث بعد وجود بؤر للعنف الطائفى فى كل محافظة فى مصر. فمصر و هى تسير فى طريقها نحو الديموقراطية فى ظروف خطيرة عليها أن تنتبه لئلا تصبح ايراناً جديداً , أو أفغانستاناً بديلاً , فاذا أصبحت ذلك و لم تصل للمدنية المرجوة. فلن يكون الأقباط هم من قاموا بقطع الطريق.