«الحلم العربى فى أحضان مدينة القمر.. اليوم القمة العربية فى ضيافة «الظهران»، التى يحضرها عدد من الزعماء العرب، وسط عواصف سياسية تخيم على المنطقة العربية.. هنا فى الدمام لا صوت يعلو على صوت «الحلم العربى». الساعات الأخيرة حولت اسم مدينة «الظهران» شرقى السعودية، التى تشهد انطلاق القمة العربية العادية التاسعة والعشرين برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، ومشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحضور مكثف من جانب وسائل الإعلام العربية والدولية، من خلال 600 إعلامى يغطون الفعاليات، من مجرد مدينة إلى «منصة حلم»، تتلقف أخبارها وسائل الإعلام العالمية. والمثير أن المدينة ارتبطت باكتشاف البترول فى المملكة وتضم أكبر شركة لإنتاج وتسويق البترول فى العالم «أرامكو» السعودية نشاطا غير عادى وتم تعليق أعلام الدول المشاركة فى القمة العربية، على جنبات الشوارع، كما تم تخصيص بعض الطرق الرئيسية فى المنطقة لحركة ضيوف القمة. وشملت الطرق التى تم تمهيدها على أعلى مستوى، الملك عبدالعزيز، والملك خالد الخبر العزيزية، وخادم الحرمين الشريفين «الخبر- الظهران» والأمير محمد بن فهد «الدمام - الظهران»، كما تم منح طلاب المدارس والجامعات إجازة رسمية اليوم، بسبب أعمال القمة. وأطلق مزارعو القطيف كلمة «الدمام» على الأرض المحاطة بأشجار النخيل التى تتميز بها، ويسودها مناخ مستقر حار جاف صيفا، ودافئ مرتفع الحرارة فى الشتاء، والزراعات بها محدودة نظرا لمناخها وأهم المحاصيل هى الطماطم والخس والفلفل، ويبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة يعتمدون على الصناعة والتعدين وتصدير النفط، وصناعة الأسمدة، والألومنيوم، والبتروكيماويّات وبالمدينة عدة شواطئ أهمها كورنيش الدمام، وشاطئ نصف القمر، وتعتبر المدينة التى يحلو للبعض إطلاق اسم «مدينة القمر» عليها، بسبب طبيعتها وأجوائها وتضاريسها- مجمعاً تجارياً يرتاده سكان المنطقة الشرقية لكثرة المجمعات التجارية والمتنوعة والماركات العالمية، وتمتاز بحركة نقل نشطة ومتنوعة، نظراً لموقعها على الخليج ولضخامة نشاطها الاقتصادى، ما دعا إلى إنشاء شبكة حديثة من الطرق بها، كما توجد بها عدة مطارات أهمها مطار الملك فهد الدولى، ويبعد عن المدينة 50 كيلومترا، وترتبط بالرياض بخط سكة حديد رئيسى يمر بالهفوف وأبقيق بطول 562 كيلومترا، بالإضافة إلى الطرق البرية والبحرية التى تربطها بمدن الخليج الأخرى. وتعرف المدينة بأهميتها فى مجال أعمال الطاقة، وعلى مر التاريخ شهدت أحداثا سياسية واقتصادية منها اجتماعات الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، مؤسس المملكة، مع ممثلى شركات النفط الأمريكية فى عام 1931، التى شكلت نواة العلاقات السعودية الأمريكية، كما أقيم فيها بعد ذلك أول قنصلية أمريكية عام 1944 كأول تمثيل دبلوماسى أمريكى فى منطقة الخليج العربى. وتعتبر الظهران من أهم المدن ارتباطاً بحركة الاقتصاد وسوق النفط عالمياً، حيث تضم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التى أنشئت عام 1963 لتظل مؤسسة تعليمية رائدة فى مجال العلوم والتقنية، كما كانت الظهران من أوليات المدن السعودية التى خططت لمشاريع التنمية بدأتها بميناء جوى، مطار الظهران الدولى عام 1962. وتعود تسمية المدينة إلى أحد الجبال الواقعة فى وسطها، جبل الظهران المكون من الحجر الجيرى بارتفاع يصل إلى نحو 100 متر. أما شركة «أرامكو» فلم يقتصر دورها على مجال البترول فقط بل امتد إلى النشاط الثقافى والاجتماعى وشيدت بالقرب من الموضع الذى تدفق منه النفط للمرة الأولى بالمملكة «بئر الدمام 7» أو «بئر الخير»، مركز الملك عبدالعزيز الثقافى العالمى (إثراء )، ومنذ افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز فى نوفمبر 2016، وهو يمثل رافداً جديداً للحركة الثقافية والفكرية فى المملكة. ويجمع المركز الذى يرتفع 90 متراً فى سماء الظهران بين التصميم المعمارى المعاصر والتقنية الحديثة، وهو مؤسس على مساحة 45000 متر مربع ويضم المركز بين جنباته مكتبة ومعملا ومنطقة للأطفال ومتحفاً عن تاريخ المملكة الطبيعى وإرثها الحضارى وفنونها المعاصرة ومسرحاً وقاعة للعروض الإبداعية ومركزاً للأرشيف ومعرضاً للطاقة. ويعلو فى وسطه برج المعرفة ويعنى بتقديم البرامج التعليمية للرواد من كل الأعمال، بينما تتنوع البرامج التى يقدمها ما بين الاقتصاد والثقافة والعلوم الاجتماعية، وشهد مركز إثراء اجتماعات القمة فيما يقيم القادة العرب فى مجمع سكنى داخل حرم شركة أرامكو وبجوار قاعة انعقاد القمة. ويتذكر أهالى المدينة زيارة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للدمام والظهران فى الخمسينيات من القرن الماضى واستقبال الملك سعود بن عبدالعزيز له إبان أزمة تأميم قناة السويس، وقالت هدى عبدالناصر إن والدها اجتمع فى السعودية عام 1956 مع الملك سعود، وجرى بحث مسألة «قناة السويس»، وأجمع المسؤولون السعوديون خلال الاجتماع على تأييد مصر تأييداً كاملاً فى مواقفها. والتقى «عبدالناصر» خلال زيارته العاهل السعودى الملك سعود والرئيس السورى شكرى القوتلى فى قمة ثلاثية لبحث تطورات الأزمة، واستقبلت الجماهير فى الدمام القادة الثلاثة فى حشود كبيرة للترحيب بهم. وتستضيف المدينة، اليوم، القمة العربية ال29، لمناقشة الأوضاع الملتهبة فى منطقة الشرق الأوسط، مع تصاعد الأزمة السورية إثر الضربات الغربية عليها، أمس، بجانب أزمات اليمن وليبيا والمخاطر التى تواجه الأمن القومى العربى وتوسع النفوذ الإيرانى والحرب على الإرهاب وعملية السلام، فالمدينة الساحلية تستضيف قادة ووفود الدول المشاركة بمن حضر، وكانت قطر أعلنت أنها ستحضر القمة، وسيشارك فيها أميرها تميم بن حمد آل ثانى، رغم استمرار أزمة المقاطعة العربية، وكما حدث خلال عدة قمم سابقة، يغيب عدد من القادة العرب عن القمة لظروفهم الصحية وفى مقدمتهم الرئيس الإماراتى، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وسلطان عمان، قابوس بن سعيد، والرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة. ويقيم رؤساء الدول المشاركة فى قصر الخليج بالدمام القريب من الظهران، فيما يجتمع القادة فى مركز «إثراء» بالظهران، وسط إجراءات أمنية مشددة.
