منذ القبض على الدكتورة سعاد الخولى، نائب محافظ الإسكندرية، من قبل الرقابة الإدارية والشائعات طالت عدداً من رجال الأعمال ونواباً بمجلس النواب، وفى كل الأحوال لن يبتعد محور الاتهامات عن ملف «الداون تاون» أو أراضى الدولة المعتدى عليها، الذى كانت «الخولى» تشرف عليه، بينما كان هذا الملف وراء إقالة بعض المحافظين الذين حاولوا التصدى بقوة له، بحسب قول البعض. الحديقة الدولية التى تحولت إلى «الداون تاون» صداع مستمر منذ 19 عاماً فى رأس المحافظة وملف متخم بالقرارات والقضايا ومليارات الجنيهات، فهل ينتهى بانتهاء فترة حق الانتفاع المقرر لها العام المقبل، أم تستمر الأزمة؟. «المصرى اليوم» رصدت ملف «الداون تاون» الذى بدأ فى عام 1998، عندما تم توقيع عقد انتفاع بين المحافظة ويمثلها وقتها اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، المحافظ الأسبق، وشركة «دلتا مصر للتنمية السياحية والعقارية»، بهدف تطوير وتنمية وإدارة الحديقة الدولية فى الإسكندرية بمساحة إجمالية 125 فدانًا لمدة 20 عامًا، مقابل 9 ملايين جنيه على أقساط سنوية، وفق عقد انتفاع مؤرخ فى 21 مايو 1998 لتطوير وتنمية الحديقة الدولية. تحول الأمر إلى مشروع استثمارى كبير فى المحافظة أطلق عليه «الداون تاون»، فيما قدم البعض عدداً من البلاغات التى كانت تتهم كل المحافظين بدءاً من «المحجوب» مروراً باللواء عادل لبيب واللواء طارق المهدى والدكتور هانى المسيرى ومحمد عبدالظاهر، بأنهم لم يتخذوا الإجراءات اللازمة لاسترداد مستحقات الدولة ورد الأراضى المتعدى عليها منذ صدور قرار «المحجوب» رقم 802 لسنة 2004 بإلغاء التخصيص الممنوح «لعدم الالتزام ببنود العقد وإهدار المال العام بما يتجاوز حوالى نصف مليار جنيه». وتضمنت الاتهامات التى تم توجيهها للشركة، أنه «فى الوقت الذى كانت تحصل فيه المحافظة على 140 قرشاً للمتر، بينما السعر السوقى 5 آلاف جنيه على الأقل، حيث وصل سعر الباكية الواحدة 50 ألف جنيه إيجاراً من الباطن، من خلال الشركة التى باعت وأجَّرت كيفما تشاء دون رادع أو رقيب أو دفع أى تعويضات للدولة، وأبرمت عقود تأجير من الباطن للعديد من المستثمرين والشركات»، بحسب الاتهامات. ففى عام 1998 تعاقدت محافظة الإسكندرية بالأمر المباشر مع إحدى شركات القطاع الخاص لمنحها تطوير وتنمية وإدارة الحديقة الدولية التى تصل مساحتها إلى أكثر من 130 فداناً لمدة 20 عاماً مقابل أن تسدد الشركة للمحافظة سنوياً حق انتفاع 450 ألف جنيه بشروط أهمها ألا تقل الاستثمارات التى يتم ضخها عن 20 مليون جنيه لتطوير الحديقة. وتمكنت الشركة «بمعاونة بعض المسؤولين» على مدار سنوات من تقسيم الحديقة وتأجيرها لأكثر من 20 مستثمراً أنشأوا على أرضها منتجعات سياحية وكافيتريات وملاهى وفنادق وأندية وقاعات للمؤتمرات والأفراح ومولات ومحالاً تجارية ومطاعم متنوعة ومعارض سيارات والعديد من الأنشطة التى تقدر إيراداتها بمئات الملايين من الجنيهات سنوياً، وربما تتجاوز مليارات الجنيهات، وتوسعوا فى البناء على الأراضى، وأجَّر المستثمرون «من الباطن» أنشطة تجارية لأكثر من 230 مستأجراً بأسعار تجاوزت 664 مليون جنيه سنوياً مقارنة بالأسعار التى أجرت بها المحافظة للشركة 450 ألفاً والذى لم تستطع المحافظة تحصيلها. تدخل أحمد نظيف، رئيس الوزراء آنذاك، وشكل لجنة لاسترداد حقوق الدولة المنهوبة، وأصدر «المحجوب» قراراً فى 22 نوفمبر 2004 بفسخ التعاقد مع الشركة وإدارة الحديقة، وصدر قرار التحكيم بأحقية المحافظة بتغيير العقود مع المستفيدين مباشرة الذين استأجروا من الباطن من المستثمرين المتعاقدين مع شركة دلتا فى 2 أبريل 2006، لكن مسؤولى المحافظة لم ينفذوا القرار الصادر من التحكيم رغم ترحيب المستثمرين بتغيير العقود واستعدادهم لدفع مزيد من الأموال لعدم تعطل مشاريعهم التى أقاموها وتدر عليهم ملايين الجنيهات، وظل الوضع على ما هو عليه، ما أضاع على الدولة حوالى 8 مليارات جنيه منذ فسخ التعاقد مع الشركة. ذهب «المحجوب» وتولى «لبيب» منصب المحافظ وشكّل لجنة برئاسة الدكتور إسماعيل جمعة، عميد كلية التجارة فى جامعة الإسكندرية، وسعيد مطر، مدير الشؤون المالية آنذاك، ورئيس الشؤون القانونية، لتقييم الأرض، ورفعت اللجنة سعرها المطابق لمثيلاتها فى نفس التوقيت، وقدمت تقريراً إلى هيئة الرقابة الإدارية، قبل تحريك دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى، لكن اندلعت ثورة 25 يناير وتوقفت الإجراءات. اللواء طارق المهدى، المحافظ الأسبق، عندما تسلم هذا الملف كلف اللواء حمدى علوفة، المشرف العام على الحديقة الدولية آنذاك، بإعداد تقرير شامل عنها منذ تأجيرها، والذى أكد فيه أنه منذ تسلم المحافظة إدارة الحديقة من الشركة الخاصة لم يتم تغيير إلا عقد مستثمر واحد فقط بتاريخ 19 مايو 2008 وتم حصر المخالفات والأضرار الواقعة على المحافظة، وإخطار الشؤون القانونية بالحجز الإدارى على جميع أموال وحقوق شركة دلتا مصر (المنتفع الرئيسى) لدى البنوك والجهات الحكومية لصالح المحافظة طبقاً لأحكام القانون بأن تؤدى الشركة للمحافظة المبالغ المستحقة عليها مقابل استغلال أرض الحديقة منذ التعاقد. وهدد «المهدى» المستأجرين بتنفيذ قرار التحكيم الذى أيدته محكمة القضاء الإدارى بأثر رجعى وفسخ العقود إذ لم يسددوا مستحقات الدولة بالأسعار الجديدة التى تحددها المحافظة، طبقاً للواقع، وإلا سيتم طرد كل من يمتنع عن الدفع سواء كان المستثمر الأصلى أو من الباطن، كما هددهم بتقديمهم لنيابة الأموال العامة بتهمة الاستيلاء على أموال الدولة دون وجه حق، ووافق المستأجرون على زيادة الإيجارات ل10 أضعاف وجدولة السنوات السابقة. أصدر «المهدى» قراراً رقم 2422 فى ديسمبر 2013 بتشكيل لجنة برئاسة اللواء محمد عبدالرازق، رئيس حى وسط الإسكندرية آنذاك، (الذى تقع فى نطاقه الحديقة الدولية) وعضوية 5 أعضاء مهمتها تحديد قيمة الأضرار التى لحقت بأموال ومصالح المحافظة جراء التعاقد مع الشركة فى عام 1998. وأكدت اللجنة أن «المبالغ التى تحصلت عليها المحافظة من الحديقة الدولية لا تتعدى نسبتها 1 من 2000 من الأرباح التى يجنيها مستغلو الحديقة، وأن عدداً من المستثمرين أو المستأجرين من الباطن يؤجرون ما يصل إلى 20 محلاً بحوالى 150 ألف جنيه شهرياً للمحل الواحد ما يعنى حصد 3 ملايين جنيه شهرياً فيما يفترض أن تحصل المحافظة من الحديقة بكاملها على 450 ألف جنيه سنوياً». وتلقى «المهدى» فى عام 2014 كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء متضمن تصديق المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية السابق، على توصيات هيئة الرقابة الإدارية باتخاذ الإجراءات القانونية حيال مستأجرى الباطن وسحب المساحات المؤجرة منهم فى ضوء عدم التزامهم بسداد المديونيات المستحقة عليها. وفى نيابة استئناف أموال عامة الإسكندرية تحررت واقعة برقم 911 عرائض لسنة 2015 ترتب عليها إصدار قرارات غلق إدارى للعديد من محال ونوادى «الداون تاون» لم تنفذ بناء على تأشيرة الدكتور هانى المسيرى، محافظ الإسكندرية الأسبق، بتاريخ 17 سبتمبر 2015، والمتضمنة عدم اتخاذ أى إجراءات دون الرجوع إليه أو مدير الحديقة. المهندس محمد عبدالظاهر، محافظ الإسكندرية الأسبق، شكل هو الآخر لجنة من الرقابة الإدارية والأموال العامة والجهات المعنية لتحديد سعر إيجار متر الحديقة الدولية لتحصيل حقوق الدولة المهدرة التى قدرتها جهات التحقيق والجهات الرقابية بأكثر من 300 مليون جنيه فروق إيجارات توقف مستثمرو الحديقة عن دفعها للمحافظة. وقال «عبدالظاهر» وقتها: «تحريات مباحث الأموال العامة كشفت أنه فى أوائل عام 2004 ورد كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء متضمناً تصديقاً من رئيس الجمهورية على توصيات الرقابة الإدارية باتخاذ الإجراءات القانونية لتحصيل مستحقات الدولة من مستثمرى الحديقة الدولية على المنشآت التجارية والسياحية المتنوعة التى تم إنشاؤها على مساحة 125 فداناً ولكن تقاعس وتواطؤ المسؤولين حال دون ذلك». وأوضح أنه لن يتوانى عن تحصيل حق الدولة من المستثمرين، ولن يترك مليمًا واحدًا من حقها، مشددًا على جدية المحافظة فى تحصيل حق الدولة من مستثمرى الحديقة وأصدر قرارًا بمنحهم شهرًا لإثبات حسن نواياهم فى سداد حق الدولة ودفع مديونياتهم السابقة. وأشار لحكم التحكيم والفتوى الذى حصلت عليه محافظة الإسكندرية عام 2004، حيث إنه يعطى للمحافظة الحق فى حالة عدم الالتزام من المستثمرين أن يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وانتظر «عبدالظاهر» تحديد سعر الإيجار وتوعد بعدها أنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل مستحقات الدولة فى الأموال المهدرة، ومن لا يستجيب يتم الحجز عليه وسحب المشروع منه، لكن القدر لم يمهله وتمت إقالته لأسباب غير معلنة، فيما رجح كثيرون بأن «ملف الحديقة كان وراء تركه المنصب». هيثم الحريرى، عضو مجلس النواب، قال: ملف الداون تاون يخضع مباشرة لرئيس الوزراء، إذ إننا عندما سألنا المحافظ عن تدنى القيمة الإيجارية له والإسناد بالأمر المباشر أكد لنا أن القرار انتقل مباشرة لرئيس الوزراء». وأضاف «الحريرى»: هذا الملف كان يجب أن يفتح بشكل كامل منذ فترة وتحديداً عندما حدث الاشتباك بين المحافظ الأسبق محمد عبدالظاهر، ووزير التنمية المحلية آنذاك، أحمد زكى بدر، وأن تحقق الرقابة الإدارية فى الموضوع، وهى بالفعل تؤدى عملها وهناك سعى لكشف الفساد لكن لابد من عدم تصالح الدولة مع بعض الفاسدين لأن هذا معناه إعطاء إيحاء للفاسد بأنه فى مأمن عندما يتم كشف فساده، حيث يتم سداد ما تم اكتشافه وليس ما نهبه، وهناك قوانين تقنن للفساد مثل «تحصين عقود الدولة» التى تمنع الطعن عليها، وتجب مراجعته مع عدد من القوانين التى تساعد على المخالفات وليس الحد منها.