أكتب هذا الكلام وأنا مؤمن أن الثورة التي حدثت أنما أتت لتغير مفاهيمنا التي طبعنا عليها لسنوات عدة بل أعتقد طوال حياتنا ، وهي القبول بما يقدم ألينا بدون مناقشة أو جدل، وكذلك الحجر علي عقولنا وتفكيرنا ورغبتنا في الفهم، لنتحول إلي مجرد أسنان تروس تتحرك في منظومة من الأستبداد والقهر، في الوقت الذي كنت غارق في خوفي وجبني علي مواجهة هذا الواقع المرير وانحنائي لما هو قائم وجاسم علي صدورنا. قد يستفز ما انا بصدد عرضه من انطباعات عن مقابلة البرادعي مؤيدي الرجل او قد يريحهم ، وقد يجد فيه محبي مبارك السلوي او يجدوا في النقمة ، قد يؤيده مناصري التيار الديني او قد يعارضوه كما قد يؤيده او يعارضه من لا يستسيغون الرجل ليس لانتماء لتيار معين الا انهم فقط لا يحبوه ، وهذا امر حتمي حتمية اختلاف البشر ، الذين اختلفوا حتي علي ما انزل الله عز وجل. إلا أنني وبعد مشاهدتي للمقابلة اثرت ان اكتب خواطري التي حاولت قدر الامكان ان تكون موضوعية تصف ما احسست به ولمسته خلال اللقاء، ليس لمعارضة او تأييد وانما لعرض امين وتحليل لصورة رأيتها بطريقة محايدة وموضوعية، قد اخطيء فيه او اصيب واتمني ان خطئي لا يستفز احدا من اصدقائي او زملائي الاعزاء لاني اعلم علم اليقين ان الايمان بهدف او بمبدأ لايمكن تغييره حتي يكون نابع من قلب الانسان ولذلك اعلن احترامي لكل من هو متمسك بمبدأ او اقتناع . أعترف أني كنت انتظر تلك المقابلة بفارغ الصبر فلم تشف غليل نفسي التواقة للمعرفة تلك المقابلة القصيرة مع الرجل التي تمت علي قناة اون تي في والتي اقتصرت علي اعلان الرجل نيته للترشح للرئاسة. أكتب عن الرجل لما رايته من حملات مؤيدة وحملات مضادة له علي صفحات الفيس بوك ، اكثر من اي مرشح اخر للرئاسة ، ولم اكن من المؤيدين الاوائل للرجل منذ بداية دعوته للتغيير مثل كثير من زملائي الاعزاء وهم كثيرون ، وللحق كنت اظنه وجها اخر من الوجوة التي الفنا خروجها لمعارضة النظام السابق والتي سوف يلحقها ما يلحقها من الاضطهاد والقمع ولن تلبث ان تنحني تحت وطأة نيرانها، فلم يكن البرادعي اول وجه يدعو للتغيير ، سبقه كثيرون في ذلك ، ولكن اعتقد لكون الرجل ذو مكانة دولية مرموقة وحصوله علي جائزة نوبل ووجوده خارج مصر فقد مثل ذلك واقيا له من بطش النظام كما حدث لايمن نور من سجن وتنكيل، فلم يجد النظام بدا من اطلاق حملات متعمدة لتشويه سمعة الرجل كما اعتاد ان يفعل مع جميع معارضيه . والحق اقول انه بعد ما سمعته في المقابلة من الرجل ، انه يمتلك رؤية واضحة لما يجب عمله لتصفية بؤر الفساد في مصر بل واثق في وعوده لتصفية تلك البؤر وكشف الحقائق الكاملة لعدم ارتباطه بالفساد الذي اطبق علي صدر مصر خلال الفترة الماضية ، اثق في وعده كما اثق في قدرة مرشح نزيه مثل هشام البسطويسي ايضا علي هذا. وكذلك توافقت اهدافه وخططه مع ما كنت احلم به كغيري من المصريين من حرية وكرامة ، كما مثلت احلامه بالنسبة لمكانة مصر الدولية مع ما يداعب احلامي ، وكانت رغبته الاكيدة في جمع كل فئات المجتمع المصري من مسلمين واقباط ونوبيين وبدو وصهرهم في بوتقة واحدة واشراكهم في الحياة السياسية بفاعلية اجابة لسؤال طالما سألته لنفسي وانا اري حقوقهم المهضومة ، ألمح الرجل عن رغبته في نظام برلماني و جعل من أولوياته تطهير الإعلام والحرص علي أستقلاله، التعليم ، محاربة الفقر وتحقيق العدالة الأجتماعية عن طريق اعادة توزيع الدخل وزيادة المرتبات ولكن تذبذب الرجل وقد اقول راوغ ولم يؤكد قدرته علي الوصول لحد ال 1200 جنيه كحد ادني للمرتبات وتركها مفتوحة لعدم علمه التام بايرادات الدولة فعليا وفي هذا التمس له العذر، كما اشار وانا معه الي دستور جامع لكل فئات الوطن من مسلمين واقباط ولكن اشارته لم تحدد موقفه من المادة الثانية من الدستور والتي – في راي المتواضع – لم يتم العمل بها اساسا خلال العقود الماضية ولكنها تشكل حجر زاوية لمختلف التيارات الاسلامية في مصر، بالاضافة الي فتح المعابر وهو الامر الذي اثلج صدري لدي سماعه ( وقد زاد عليه البسطويسي برغبته في مراجعة اتفاقية كامب ديفيد) ولكنه لم يمتلك رؤية واضحة عن كيفية ادارة الصراع الاسرئيلي الفلسطيني ، واربكه سؤال عمرو الليثي عما اذا استلزم الامر استخدام مصر للقوة العسكرية ، وهو ما رد عليه بموضوع اتفاقية الدفاع العربي المشترك ، ولا اعلم هنا هل توجه الرجل سيكون قوميا ام ان تلك الاجابة كانت للالتفاف علي السؤال الملح للمذيع ، انا اتمني ان يكون الاستنتاج الاول ! وبغض النظر عن هذه الملاحظات فان تلك الاولويات تبناها بطريقة او باخري جميع مرشحي الرئاسة تقريبا ، وتتبقي الناحية التنفيذية لها وكيفية تطبيقها فيما عدا النظام البرلماني والذي ينفرد به تقريبا البرادعي واميل له شخصيا وذلك للتخلص من سيطرة الفرد علي مقدرات البلاد. وقد وضح لي جليا بعد الرجل النسبي عن نبض الشارع المصري خاصة الطبقات الفقيرة منه واكتفي بالاشارة علي " الراجل ابو رجل واحدة" علي حد تعبيره ورجل العشوائية وهي اشارة دعائية للدلالة علي قربه من الطبقات المحتاجة من الشعب ، حتي ان عمرو الليثي نبهه الي ان مشكلة الفقر في مصر تتعدي هاتين الحالتين ، واعتقد انه لو كان البرادعي قد تابع الفقرات الاولي من برنامج واحد من الناس كان يمكن ان يكون فكرة عن حجم معاناة هذا الشعب، الا اني اري في توجه الرجل مراعاة نسبة ال 50% من فقراء مصر توجها محمودا ومطلب اساسي ، ولو نجح الرجل فيما وعد به فليس لدي سوي ان ادعو له بالتوفيق من الله عز وجل. وفي النهاية لايتبقي لي غير التعليق علي مهارات الرجل اللغوية في اللغة العربية و التي وضحت ضحالتها مقارنة بطلاقته في اللغة الانجليزية ومعاناته لاختيار الالفاظ التي ظهرت جلية خلال المقابلة واستشعاري بالخلفية الدينية الضعيفة للرجل ، وهو ما لا يؤثر علي مدي كفاءته في ادارة شئون البلاد ولا ازعم ان الرؤساء السابقين لمصر كانوا ضالعين في اللغة العربية او ان خلفيتهم الدينية كانت قوية وقد يكون العكس ولكن قد ازعم انهم كان لديهم الحد الادني منهما ، وفي نفس الوقت فانه طالما منحنا حق الاختيار فلماذا لا نختار الانسان الي يملك نسب من كل هذه المهارات والتي تعتبر عنصر اساسي من عناصر قيادة امة تعتبر اللغة العربية لغتها الاساسية والدين الاسلامي دينها الاساسي ، فلم اري رئيس فرنسي لا يتحدث الفرنسية بطلاقة ولم اري رئيسا امريكيا لا يتحدث الانجليزية بطلاقة ايضا ، وفي المقابل . لكن يا اصدقائي ، في النهاية ما اراه يتحقق امامي يبعث في الامل ، ليس فقط لاحساسي اننا قادمين علي الاحسن باذن الله تعالي ، ولكن لايماني بأن الله قد من علينا بنعمة ورعاها لنا ومهمتنا هي صيانتها ، وما اعلمه واتيقن منه انه لم يكن احد السبب في الثورة ولم يكن الجيش حاميها ولكن الله رعاها وسلط علي حكام مصر غباؤهم ووفقها بجهود ابناء مصر احقاقا لقوله تعالي "لا يغير الله بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم"، ويتبقي لنا المناظرات بين المرشحين للرئاسة وفي هذا قول اخر اليس غداً لناظره لقريب؟! د/ خالد ميلاد