عندما تُوفي حفيد الرئيس المخلوع حسني مبارك في 2009 تعاطف الشعب المصري كله معه، أنا كنت أيضاً من المتعاطفين و أذكر أنني وضعت نعياً في مدونتي وقتها، كنت أؤمن أنه لا شماتة في الموت و أننا على إختلافنا و كرهنا لمبارك لا يمكن أن نشمت في مبارك أو في وفاة حفيده، و عموماً هذه هي طبيعة الشعب المصري عاطفي إلى حد (الهبل) في كثير من الأحيان و هو ليس شيئاً سيئاً لا قدر الله و لكنه كان شيء يُساء إستخدامه، و بعيداً عن هذه الديباجه المطوله فسؤالي اليوم هو: هل يجب أن نتعاطف مع الرئيس المخلوع في محكامته؟ الإجابه بالطبع هي لا، فالكثيرون يرددون عبارات مثل: (مبارك رجل عجوز محاكمته مش هتفيدنا في حاجه)، (مبارك خدمنا 30 سنة نيجي نعمل معاه كده في آخر أيامه؟)، و في الحقيقه و بعيداً عن الرد على هذه الجمل فأنا لدي قناعه شحصيه بأن مبارك أجرم في حق الشعب المصري و في حق مصر ولا بد أن يأخذ جزاءه، ليس لأنني أريد أن أتشفى فيه، و ليس لأنني شخص شرير أو أسود القلب، و إنما لأن هذه أمانة سنسأل عنها يوم القيامة، فإذا تركناه و تركنا حق الملايين من أبناء هذا الشعب سيسألنا الله تعالى كما سيسأل كل من سكت و تستر و عاونه على ظلمه في عهده، سيسألنا الله لماذا تركنا المجرم يفلت من العقوبه، و لماذا لم نطبق شرعه و حدوده؟! الحقيقه أنني حالي كحال الكثيرين، إنسان، ربما تضطرب مشاعرك تجاه مبارك عندما تفكر فيه، رجل عجوز، ربما مريض، كان رئيساً يأمر و ينهي من شهرين و الآن يحاكم، ربما تراودك هذه الأفكار كما تراودني، عن نفسي عندما تراودني فإنني أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، و أعود بالتاريخ و أتذكر كل ما حدث في عهده من فساد و ذل و ظلم و قهر و طغيان و سرقه و نهب و قتل و دعارة و غيره، عندها فقط أشعر بأن ما يحدث له قليل! نعم أتذكر من ماتوا غرقاً في البحر في عبارة (السلام 98) و لم يجدوا من ينقذهم أو حتى يلتفت إليهم بل أن المخلوع لم يكلف نفسه عناء الإهتمام بالقضية بل و أهان أرواحهم بدعابة سخيفة مصطنعه قالها في جلسه مصطنعه أيضاً مع أحد المواطنين المصطنعين كذلك أثناء تناول الشاي الصعيدي!! .. و أتذكر اليوم التالي للحادثة عندما جلس في المقصورة في ستاد القاهرة يتابع نهائي كأس الأمم الأفريقيه الذي فاز به منتخب مبارك لكرة القدم، بينما كان أبناء الشعب المصري الذين خرجوا من مصر لضيق العيش في بلدهم يصارعون الأمواج و البرد و القروش في عرض البحر ولا يجدوا من ينقذهم ليهرب بعدها المتسبب في الجريمة معزز مكرم إلى لندن ليحيا حياة هانئة! و أتذكر من ماتوا حرقاً في قطارات الصعيد، و من ماتوا في أقسام الشرطة من التعذيب، و من ماتوا في مقرات مباحث أمن الدوله بل أتذكر من أهينوا داخل مقرات هذا الجهاز اللعين (أنصح بالرجوع إلى كتاب عاصمة جهنم لتتبين مدى بشاعة هذا الجهاز)، و أتذكر كل من نام مظلوماً في عهد مبارك محروق القلب ضعيف الحيله ليس له إلا الله ليتوجه إليه بالدعاء على الظالم، أتذكر أيضاً أبناء هذا الشعب و هم يعذبون يومياً أمام طوابير العيش، و أتذكر المرضى الذين لم يجدوا عنايه طبية تليق بآدميتهم فعانوا الأمراض و منهم من رأى أبناءهم يموتون أمامهم ولم يستطيعوا إنقاذهم لقلة إمكانياتهم و الرعايه الصحية. أتذكر من أصيبوا بالسرطانات من المبيدات المسرطنة، و أتذكر من أصيبوا بالأمراض من المياه الملوثة، و أتذكر من لم يجدوا مأوى يأويهم فعاشوا في المقابر، و أتذكر الموظف الذي يخاف الله فعاش طوال حياته في ضائقة مالية، و أتذكر كيف أن المخدرات و الحشيش أصبحت كالسجائر في عهده، و كيف أن مطواة البلطجي أصبحت كالمسدس الميري لها حصانة! أتذكر كيف كان يجلس مع عصابته في المؤتمر السنوي للحزب الوطني يناقشون قضايا مصر و يضحكون و ينافقون و يتباهون بأنفسهم (هو المؤتمر ده كان بيتصرف عليه قد ايه صحيح؟)، و أتذكر عز القصير المكير الحقير و هو بيتنطط على المنصة و يصفق و يهلل و يحلل الحياة الرغده الهنيئة التي يعيشها المصريين، و أتذكر جمال بوجهه النحيف البغيض و هو يتحدث عن أن أولويته للمواطن البسيط و أتذكر تلك الجماعه المضحكه المسماة بشباب المستقبل (ترى أين هم شباب المستقبل الآن؟)! أتذكر كيف أصبحت صورة المصريين في الخارج بسبب مبارك، و كيف أصبح العالم ينظر لنا، و كيف أصبح حال جامعاتنا و مؤسساتنا، و أتذكر كيف تراجعت مصر في كل المؤشرات الإيجابية و تقدمت في كل المؤشرات السلبيه و على رأسها الفساد، و أتذكر أننا شعب عظيم يستحق أن يكون في مصافي الأمم و أكثرها تقدماً، و كيف أصبح الشعب المصري ذليل مكبوت محجم تحت قدمي الدكتاتور! أتذكر أخيراً شهداء الثورة، أتذكر نقائهم و إبتسامتهم و سلميتهم و براءتهم، و كيف أنهم مثلنا كلنا خرجوا و هم يحلمون بأن تكون مصر هي مصر العظيمة المتقدمة الحرة الأبيه النظيفه المحترمه الديمقراطيه، أم الدنيا! هناك الكثير لنتذكره معاً، فقط عندما تجد نفسك تشفق على مبارك تذكر و تذكر و تذكر، و ستعلم أن ما يلقاه اليوم هو القليل، و يكفيه أنه يحاسب بالقانون، و أقسم بالله العظيم أنني ما أريد له أكثر من أن يحاسب بالقانون، لن نظلمه كما ظلم هو، لن نحاكمه محاكمه عسكريه، و لن نحاكمه محاكمه غير عادله، سنتقي الله في مبارك فلن نعفو عنه لأي سبب كان و لن نحاكمه محاكمة ظالمه، ستكون محاكمة مبارك هي أول خطوه لبناء مصر الجديده التي تقوم على العدل و المساواة، و سيادة القانون، سيكون مبارك عبرة لكل فاسد، و كل مسئول تسول له نفسه في يوم من الأيام أن يخطيء في حق الأمة المصرية مرة أخرى! في أمان الله. [email protected]