هذه سطور فى إعادة تأسيس الليبرالية الوطنية. * ثمة فصل كبير - فى اجتهادى - بين اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وبين التطبيع.. وظنى أن خللاً كبيراً قد تولد جراء الربط بين الموقف من كامب ديفيد والموقف من التطبيع.. حيث ربط البعض بين الموقفين ربطاً تاماً، فالذى يؤيد كامب ديفيد يؤيد التطبيع، والذى يرفض التطبيع يرفض كامب ديفيد. * إننى واحد ممن يرون طريقاً وطنياً بعيداً عن هذا الاستقطاب الأيديولوجى الفارغ بين الناصريين والساداتيين.. إننى واحد ممن يقبلون كامب ديفيد ويرفضون التطبيع. إن كامب ديفيد تمثل اتفاقية للتسوية.. شأن كل الاتفاقيات التى تلت الحروب على مر التاريخ.. أى أنها جاءت نتيجة لأوضاع عسكرية نتجت عن قتال. ولما لم يكن ممكنا استكمال القتال وبقاء السلاح حكماً بين الأطراف، جاء دور السياسة لاستكمال دور السلاح. من البديهى أن الحسم بالسلاح أفضل كثيرا من الحسم بالسياسة، وأن إنجاز الدبابات والطائرات أعلى وأغلى من إنجاز الاتصالات والمفاوضات. ومن البديهى أيضاً أن عجز السلاح عن الحسم الكامل يجعل من السياسة الامتداد الضرورى للسلاح. وقد خاضت مصر حربا عظيمة فى أكتوبر 1973، ووصل استخدام العقل والسلاح من الجانب المصرى ما مثل صدمة للعدو الصهيونى وفزعاً فى الإدارة الأمريكية وانبهاراً فى كل جنبات الأرض، ولكن أمريكا تجاوزت الفزع إلى الدخول شبه المباشر فى الحرب.. وقد وضع ذلك حدودا للسلاح ونهاية لاستخدام القوة. كان لدينا خياران: إما الانتظار حتى الآن وما بعد الآن وربما ما بعد بعد الآن من أجل استكمال دور السلاح، وإما تجاوز السلاح إلى السياسة إلى أن تحين الفرصة لاستئناف السلاح من جديد، ولأن العالم لا تحكمه مجموعة من الأطفال.. فقد كان ضروريا القول بأن النية صافية.. والقرار استراتيجى وأكتوبر آخر الحروب.. تلك أبجديات السياسة مثلما أن عبور قناة السويس كان أبجديات القتال. ولقد مثلت كامب ديفيد الاستخدام الوطنى للسياسة بعد أن مثلت حرب أكتوبر الاستخدام الوطنى للسلاح. إن كامب ديفيد جزء من صراع، وتمثل حقبة التسوية فيه، وقبولها هو قبول للسياسة والمصلحة الوطنية معاً.. ورفضها هو الآخر اجتهاد فى السياسة وللمصلحة الوطنية معاً. ولا يجوز لطرف أن يتهم الآخر بالجهل أو العمالة.. ذلك أن فريقا وطنيا رأى فى السياسة طريقا للحل وفريقا آخر بقى على تقديرات أن السلاح هو الحل. * ولأنى واحد ممن يقبلون كامب ديفيد.. أرى فى ذلك القبول أساسا وطنيا، ولكنى لا أرى أى أساس وطنى لعملية التطبيع.. وأعنى بذلك تطبيع الصحفيين والمثقفين والفنانين والتكنوقراط.. الذين يرون فى كامب ديفيد منطلقا للحب.. وليست اجتهادا فى السياسة. * كانت كامب ديفيد محاولة للتحرر الوطنى بعد حرب مجيدة لا مثيل لها.. ولكن التطبيع محاولة للتخلف الوطنى.. إضاعة جهود الحرب والسلام معاً. [email protected]