على امتداد شارع الخليفة المأمون بمنطقة منشيّة البكرى بمصر الجديدة، وفى رُكنٍ هادئ، وسط انتشار أفراد الأمن فى محيطه، يقع منزل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومقر إقامته لما يقرب من عقدين فى حياته، ومكان عيش الأسرة لما يقرب من 40 عامًا، والذى تحوّل إلى متحف يضم مقتنيات الزعيم الراحل، وافتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأول، فى الذكرى ال 46 لرحيل «عبدالناصر». بإجراءات أمنية مُشددة يستقبلك المتحف، تبدأها بتسليم هاتفك والمتعلقات كالطعام وغيره من غير المسموح به وأى كاميرات بأنواعها، إذ إن التصوير داخل المتحف ممنوع إلا بتصريح مسبق، وفى دفتر يُسجّل الحضور أسماءهم ببيانات البطاقة الشخصية قبل أن ينطلقوا فى جولتهم بالقاعات المختلفة. قاعة المقتنيات هى أول وجهات الزائرين داخل المتحف، وتضم أوسمة وميداليات حصل عليها الزعيم الراحل فى مختلف زياراته والاحتفالات الدولية، وأيضًا هدايا مختلفة من رؤساء الدول التى زارها الرئيس فى عهده، تتنوّع بين الأفريقيّة والآسيويّة. ممرٌ حمل اسم «منشيّة البكرى» يقودك إلى الجزء الأصلى لمنزل «عبدالناصر»، والذى تم تجديده مع الإبقاء على شكله ومحتوياته، سُلّم خشبى يوصلك إلى دورٍ علوى، يضم قاعة اجتماعات، وممرّات لمقتنيات الرئيس الراحل، منها ماكينة عرض سينمائى، ماكينة حلاقة، ميزان، مدلّك أقدام، بعض أسطوانات أم كلثوم، وأخرى لمقطوعات عالميّة، نظّارة طبية، علبة سجائر، قداحة، قطعة قماش من عمامة السيد البدوى، صور عائليّة للأسرة، خاتما زواج «ناصر» و«تحية»، بيجامات، أحذيّة ورابطات عنق الرئيس، وأيضًا قناع الحياة الذى صنعه المثّال جمال السجينى لوجه «ناصر» بعد موته مباشرةً دون علم أسرته، وأيضًا مجسم لقبضة يده، وغيرها الكثير من المقتنيات، بينما تنتشر على طول الأروقة صور للرئيس الراحل فى مراحل مختلفة، وينتهى الدور العلوى بغرفة نوم «عبدالناصر» ملحق بها حمّام ومكتبه الشخصى. ذكرياتٌ استحضرها عبدالحكيم عبدالناصر، نجل الرئيس الراحل، للمنزل الذى قضى فيه سنوات طفولته وشبابه، وقال ل «المصرى اليوم»، إنه الوحيد بين أشقائه الذى وُلد فى منزل منشيّة البكرى، الذى انتقلت إليه الأسرة فى عام 1953، أى قبل ميلاده بعامين فى 1955. بحنينٍ إلى الماضى، يُعيد عبدالحكيم إلى ذهنه ذكريات طفولته فى منشية البكرى، يقول: «إن البيت الأساسى تمّ بناء أجزاء إضافيّة إليه لتشمل القاعات المختلفة للمقتنيات والعرض»، وبينما يُشيح بناظره خلال الزجاج المُطل على الحديقة، يُضيف أنه أيضًا كانت هناك غرف للنوم والمعيشة مُقامة هناك. ويضيف نجل «ناصر»، الذى جاء وشقيقته هدى لتفقّد المتحف فى أول أيامه، أنه يشعر بسعادة بالغة وهو يرى انتهاء المتحف وافتتاحه بعد سنوات من التحضير، ويقول إن قصّة تحويل البيت إلى متحف بدأت بعد وفاة «عبدالناصر»، وإصدار مجلس الأمّة وقتها قرارًا بأن يظل منزل منشية البكرى واستراحة الإسكندريّة الرئاسيّة ملكًا لعائلة «ناصر» حتى وفاة آخر فرد منهم، لكن السيدة تحيّة كاظم، زوجة الزعيم الراحل، فضّلت التنازل عن استراحة الإسكندريّة للدولة عام 1985. وبعد وفاة السيدة تحيّة فى مارس 1990، رأى الأبناء أنه ليس بالضرورة الانتظار حتى يرحلوا عن الحياة حتى يتحول البيت متحفًا شاهدًا على تاريخ زعيم عظيم، إذ رأوا أنه من الأفضل أن يتم المشروع فى حياتهم، حتى يُشرفوا على إقامته على أكمل وجه، خاصة أن المنزل لم يعد مسكونًا من أى منهم، لذا قاموا بتسليم المنزل فى مايو 1990 بعد شهرين فقط من وفاة الوالدة. يتابع عبدالحكيم: «المنزل ظل مُهملًا طيلة 18 عامًا، حتى إن بعضًا من أجزائه تآكلت وأصبح فى حالة صعبة وآيلًا للسقوط حتى عام 2008 عندما أراد الرئيس الليبى معمّر القذافى فى زيارته لمصر أن يتفقده ووجده بتلك الحالة، ومن هنا عاد اهتمام الدولة لهذا المشروع مرّة أخرى، وكان الدكتور محمد صابر عرب، رئيسًا لدار الوثائق حينها وهو من أشرف على نقل المقتنيات، وبعد ثورة يناير، عاد المشروع إلى التوقّف مرة أخرى، إلى أن قامت ثورة 30 يونيو، وتولّى (عرب) حقيبة الثقافة وعاد لمباشرة المشروع الذى أشرف على نقل محتوياته من قبل، وبدعمٍ من جهاز الخدمة الوطنية، بإشراف المشير عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، وقتها، وبرعاية الرئيس السابق عدلى منصور». ويُشير عبدالحكيم عبدالناصر إلى أن المتحف اكتمل فى عهد وزير الثقافة حلمى النمنم، وكان مقررًا افتتاحه فى 23 يوليو الماضى كذكرى وطنيّة، لكن بعض النواقص التقنية حالت دون ذلك، لذا تم إرجاؤه ليكون فى ذكرى رحيل «عبدالناصر»، وهو ما تحمّس له الرئيس عبدالفتاح السيسى ليفتتحه أمس الأول، فى الذكرى 46 لرحيل الرئيس جمال عبدالناصر.
