وصول الثورة من تونس إلى مصر، كان يعنى الوصول إلى الذروة، أما وصولها إلى ليبيا واليمن وسوريا، فيعنى أنها أصبحت الثورة الأكبر فى تاريخ الشعوب العربية، ومن أعظم الثورات فى تاريخ العالم. الظروف الخاصة لكل بلد والتطورات الخاصة لكل ثورة لم تتح للنظامين التونسى والمصرى غير قتل وجرح الآلاف، أما نظم ليبيا واليمن وسوريا فتقتل، وسوف تقتل وتجرح عشرات الآلاف قبل أن تسقط، بل ربما لا تسقط فى المستقبل القريب، رغم أن شسع نعل أى شهيد يساوى رؤوس أفراد العصابات الذين يحكمون الدول الثلاث، وشسع النعل بلغة العرب القديمة هو ما نطلق عليه اليوم «رباط الجزمة». كشفت ثورة العرب، مرة أخرى، حقيقة أمريكا والغرب بدعمهم النظم الديكتاتورية إلى درجة تأييد شكل جديد من أشكال النظم السياسية، وهو الجمهوريات الوراثية، وشكل جديد من الطبقات الحاكمة، وهو شكل العصابة الإجرامية بالمعنى الحرفى للكلمة. أمريكا والغرب يريدون الحرية، ولكن لأنفسهم فقط، ولا أدل على ذلك من مواقفهم ضد ثورات العرب التى لا تطالب سوى بالحرية. والأمر نفسه بالنسبة إلى إسرائيل التى تقف ضد ثورات العرب، وتدافع عن النظم الديكتاتورية فى الدول العربية، ولا تريد سواها لتبقى وتنمو وتطغى. فضحت ثورة العرب السياسة التركية المراوغة بموقفها ضد الشعب فى ليبيا وسوريا، ولا غرابة وهى تحتل المرتبة الأولى فى العالم فى اعتقال الصحفيين، حيث وصل عددهم إلى 57 صحفياً، فى حين بلغ فى كل من إيران والصين 34 صحفياً (انظر تقرير الزميل سيد عبدالمجيد فى «الأهرام» عدد 11 أبريل). وفضحت ثورة العرب السياسة الإيرانية الغوغائية الطائفية عندما وقفت مع ثورة الشيعة فى البحرين وضد ثورة الشعب فى سوريا. ولا تقولوا عن أمريكا والغرب وإسرائيل وتركيا وإيران إنهم يكيلون بمكيالين، إنما هو مكيال واحد ضد الشعوب العربية واستقلالها الحقيقى. ورغم التوريث، فقد تفاءلت نسبة كبيرة من الشعب السورى عند تولى بشار الأسد منذ عشر سنوات وإعلانه ما سمى «ربيع دمشق».. وأى إنسان عاقل لا يزايد على اختيار نسبة كبيرة من أى شعب، ولكن الربيع سرعان ما تحول إلى شتاء طويل شديد القسوة. أما وقد ثار الشعب السورى وبدأ يدفع ثمن حريته من دماء أبنائه، فلم يعد هناك اختيار أمام من يؤمن بالحرية إلا أن يقف مع الشعب. أما خالد مشعل الذى يقف ضد ثورة الشعب السورى ويهاجم حتى الشيخ القرضاوى لأنه مع هذه الثورة، فقد أسفت، لأننى تصورت فى بعض الأحيان أنه يناضل من أجل حرية شعبه الفلسطينى، فالموقف من الحرية لا يكون أحياناً وإنما دائماً. وداعاً يا دمشق: سوف أشتاق إليك كثيراً حتى يرحل هذا النظام [email protected]