في الوقت الذي تظهر فيه تداعيات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي على منطقة اليورو، تحاول برلين إثارة الطمأنة في نفوس المستثمرين برغم البيانات التي أظهرت تباطؤا في حركة التجارة والإنتاج الصناعي، خاصة بعد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي لدول العملة الموحدة، في حين أظهرت المؤسسات الدولية تضاربًا نحو قدرة الاقتصاد الألماني للتصدي لتداعيات الخروج. وبرغم من تفوق الاقتصاد الألماني كأكبر اقتصادات أوروبا بإجمالي ناتج محلي يقترب من 3.4 تريليون دولار في عام 2015 وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، إلا أن اجتماع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع قيادة الرابطة الاتحادية لأرباب العمل في ألمانيا، أظهر محاولة الطمأنة حين أكدت ميركل أن مساوئ الخروج بالنسبة للاقتصاد الألماني يمكن احتواؤها، وأن تصويت بريطانيا لصالح الخروج الشهر الماضي سيؤدي فقط إلى غموض اقتصادي محدود في ألمانيا. وقالت ميركل إن حالة عدم الاستقرار جراء خروج بريطانيا ستكون محدودة، وأضافت أنه ينبغي للدول الأخرى الباقية في الاتحاد ال27 العمل على ضمان احتفاظ التكتل الاقتصادي بقدرته على المنافسة وخلق الوظائف ودعم النمو. على صعيد آخر، قال محمود برادان، مساعد مدير دائرة أوروبا في صندوق النقد الدولي ومقره واشنطن، في تصريحات صحفية سابقة، إن التأثير على نمو منطقة اليورو سيكون أكبر، إذا طالت مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مضيفا «لا نعلم حاليا كم من الوقت ستستغرق المفاوضات، وما يقلقنا هو إطالة أمدها». وبرغم خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو منطقة اليورو لعام 2017 إلى 1.4% من 1.6%، وأرجع الصندوق الأسباب إلى تداعيات خروج بريطانيا، مشيرًا في بيانه السنوي يوم الجمعة الماضي إلى المخاطر المتنامية على اقتصادات العملة الموحدة، إضافة إلى تباطؤ النمو العالمي الذي من شأنه أن يضعف النهوض الذي يستند حاليًا إلى الطلب الداخلي. وتحذيرات الصندوق من عواقب الاستفتاء وأزمة اللاجئين والقلق من التهديدات الإرهابية المحتملة التي تساهم في مزيد من الغموض مما سينعكس على النمو وسيحول دون التقدم في الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى إليها دول المنطقة ال19، إضافة إلى ضعف القطاع المصرفي والمالي في بعض دول المنطقة. يحاول وزير المالية الألماني، فولفجانج شوبيله، من جهة أخرى التمسك بخطط الاستمرار في ميزانية متعادلة على مدى السنوات الأربع القادمة، حيث تسعى برلين لزيادة الإنفاق الحكومي تدريجيًا بدون جديدة حتى 2020، ولدى ألمانيا القدرة على زيادة الإنفاق بدون الاعتماد على صافي ديون جديدة، بفضل إيرادات الضرائب، إضافة إلى ارتفاع معدل التوظيف والتكلفة المتدنية لإعادة تمويل الديون بسبب سياسة التيسير الكمي التي يتبعها المركزي الأوروبي. وأعلنت وكالة ستاندر آند بورز للتصنيف الائتماني، على إبقاء تصنيف ألمانيا عند AAA، وأضافت الوكالة أن هذه الدرجة غير مهددة بالتخفيض مع الإبقاء على نظرة مستقبلية «مستقرة»، ونفت وجود تأثيرات للقرار البريطاني بالخروج على تقييم ألمانيا، في ظل بيانات الصادرات الألمانية المخيبة للآمال، التي سجلت انخفاضا مفاجئا في مايو الماضي لتحقق أكبر انخفاض شهري في تسعة أشهر، في إشارة جديدة إلى أن أكبر اقتصاد في أوروبا فقد زخم النمو في الربع الثاني، فيما يثير تراجع الطلب العالمي مزيدًا من القلق بشأن آفاق النمو بالنسبة لأكبر نظام اقتصادي في أوروبا. وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني، أن الصادرات تراجعت بنسبة 1.8% في مايو، بعد 3 شهور من النمو المتواصل، فيما يعد أكبر هبوط منذ أغسطس 2015، وكان المحللون الاقتصاديون يتوقعون أن تنمو الصادرات في مايو بنسبة 0.4% بعد ارتفاعها بنسبة 0.1% في إبريل الماضي، بينما ارتفعت الواردات الألمانية في مايو بنسبة 0.1% بعد تراجعها بنسبة 0.3% في إبريل، وأدت زيادة الصادرات إلى تقلص الفائض التجاري إلى 22.2 مليار يورو (24.61 مليار دولار) مقابل 24.1 مليار يورو لشهر إبريل وهي أكبر قيمة شهرية حتى الآن. كما سجل الناتج الصناعي لألمانيا تراجعا حادا خلال مايو الماضي، حيث أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية يوم الخميس الماضي تراجع الناتج الصناعي بمعدل 1.3% مقارنة بشهر إبريل الماضي وهي أسرع وتيرة هبوط منذ أغسطس 2014، الذي حقق ارتفاعا بنحو 0.5%، وتوقع محللون نموًا بنحو 0.1% عن الشهر السابق، وذكرت الوزارة في بيانها أنها خفضت توقعات نمو الاقتصاد الألماني الصادرة في إبريل حيث كانت تتوقع نمو الاقتصاد بمعدل 0.8% من إجمالي الناتج المحلي، ولم تكشف الوزارة عن توقعاتها المعدلة. وقال كارستن برزيسكي، المحلل الاقتصادي في «آي.إن.جي بنك»، إن «بيانات الناتج الصناعي زادت مخاطر التراجع الحاد لنمو الاقتصاد الألماني خلال الربع الثاني». ورغم انكماش الناتج الصناعي في مايو الماضي أبدت وزارة الاقتصاد الألماني تفاؤلا بشأن آفاق الناتج الصناعي لألمانيا، حيث قالت إنه «يستأنف صعوده المعتدل بعد الأداء الضعيف خلال الربع الثاني». وجاء تراجع الناتج الصناعي لألمانيا خلال مايو الماضي نتيجة انكماش ناتج قطاع التصنيع بنسبة 1.8% وتراجع إنتاج السلع الرأسمالية بنسبة 3.9% خلال الشهر نفسه.