صوّت البريطانيون، أمس، على عضوية بلادهم في استفتاء تاريخى وغير مسبوق على مصير بلادهم داخل الاتحاد الاوروبى أو خارجه، بما يرسم أيضًا مستقبل الاتحاد، في تطور يراقبه بتوتر وقلق السياسيون في المملكة المتحدة، وأسواق المال في أنحاء العالم، بعد حملة مريرة قسّمت بريطانيا إلى معسكرين، وهيمنت عليها قضايا الهجرة والاقتصاد وهزتها جريمة قتل نائبة بمجلس العموم مؤيدة للاتحاد الأوروبى، وانعكس هذا الانقسام في عناوين الصفحات الأولى بالصحف البريطانية، حيث خرجت صحيفة «ذا صن» بعنوان «يوم الاستقلال»، فيما عنونت صحيفة ال«ميرور» بمانشيت تحذيرى: «لا تقفز إلى الظلام». وبدأ التصويت ب41 ألف مركز اقتراع في أنحاء بريطانيا وسط أوجاء ممطرة، وقالت اللجنة الانتخابية، إن نحو 5. 46 مليون ناخب يحق لهم الانتخاب في 382 منطقة، يتوقع الخبراء أن تتراوح نسبة المشاركة بين 60% و80%، ويتواصل التصويت حتى العاشرة مساءً بالتوقيت المحلى، على أن تصدر النتائج النهائية صباح اليوم. وسيشكل الاستفتاء الفرصة لإثبات ما إذا كانت العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى في 1973 قابلة للتجديد، خاصة أن لندن ليست جزءاً من منطقة «شنجن» ولا اليورو، وتشدد على وضعها الخاص داخل الاتحاد، ويمكن أن تصبح أول دولة كبرى تقرر الرحيل عنه. وأظهرت استطلاعات رأى قبيل التصويت صعوبة التنبؤ بنتيجة الاستفتاء مع تقارب نسبة المؤيدين والمعارضين لبقاء بريطانيا، مع وجود نسبة كبيرة من المترددين. ودعا رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى الاستفتاء تحت ضغط من حزبه المحافظين الحاكم وحزب مناهض للاتحاد الأوروبى، تتزايد قوته على أمل إنهاء عقود من النقاش بشأن مكان بريطانيا في أوروبا وروابطها مع بروكسل، وقال «كاميرون» لأنصار معسكر «البقاء»: «اخرجوا وادلوا بأصواتكم من أجل بريطانيا أكبر وأفضل داخل اتحاد أوروبى معدل»، محذرًا من فوضى وخسائر ضخمة حالة مغادرة الاتحاد الأوروبى، فيما قال منافسه الرئيسى رئيس بلدية لندن السابق، بوريس جونسون، الذي يقود معسكر «الخروج»: إن هذه هي «الفرصة الأخيرة لحسم الأمر»، وأكد معسكر «الخروج» أن اقتصاد بريطانيا سيستفيد من الانسحاب من الاتحاد الأوروبى. ويعكس استعداد المتعاملين والمستثمرين والشركات لتقلبات في الأسواق المالية أيًا كانت نتيجة الاستفتاء، مزاجاً يتجه نحو رفض المؤسسات، لوحظ في الولاياتالمتحدة وأماكن أخرى من أوروبا، وقفز الجنيه الإسترلينى إلى أعلى مستوى له هذا العام أمام الدولار الأمريكى في أواخر التعاملات بعد أن أشار استطلاع للرأى إلى تقدم واضح لمعسكر «البقاء». وتتوقف نتيجة الاستفتاء على حجم الإقبال على التصويت، وبينما يبدو البريطانيون الأصغر سناً أكثر تأييداً للاتحاد الأوروبى من الأكبر سناً، فهم أقل مشاركة في التصويت. ودعا زعماء أجانب، من بينهم الرئيس الأمريكى باراك أوباما والرئيس الصينى شى جين بينج وغالبية القادة الأوروبيين، بريطانيا إلى البقاء في الاتحاد، وهى رسالة أيدتها منظمات مالية واقتصادية دولية والمئات من رؤساء الشركات ومحافظو البنوك المركزية، وحذرت بنوك دولية من أن قيمة الإسترلينى قد تهبط بشكل حاد، وقد تفقد لندن مكانتها المالية وتهرب منها رؤوس الأموال إذا صوتت بريطانيا لصالح الخروج. وتواجه بريطانيا مخاطر الانقسام حال خروجها من الاتحاد الأوروبى، وقالت الزعيمة الإسكتلندية، نيكولا ستورجين، إن إسكتلندا قد تدعو إلى استفتاء على الخروج من المملكة المتحدة، وحتى وإن قررت بريطانيا البقاء فإن الوضع لا يمكن أن يبقى على حاله، إذ إن القضايا التي حركت حملة الاستفتاء لقيت صدى في القارة العجوز التي فقدت الثقة في إقامة كيان أوروبى مثالى لما بعد الحرب، مع تنامى النعرات الانفصالية في أيرلندا الشمالية المؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبى. وذكرت صحيفة «تليجراف» البريطانية أن الناخبين في فرنسا وإيطاليا وهولندا يطالبون بحقهم في التصويت على عضوية بلادهم في الاتحاد ومنطقة اليورو، في وقت تواجه فيه القارة الأوروبية «عدوى» الاستفتاءات، وأعلنت رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرفة، مارين لوبن، أنها تأمل في تنظيم استفتاء في كل بلد حول الانتماء إلى الاتحاد الأوروبى، الأمر الذي يهدد بانفراط العقد الأوروبى. ووعد الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند بأنه «أيا كانت عليه النتيجة سيتم اتخاذ مبادرات من أجل تطوير البناء الأوروبى»، ويتوقّع صدور مبادرة فرنسية ألمانية يمكن أن تتضمن عناصر تتحدث عن توجهات أوروبية مختلفة أو تكتفى بالتطرق إلى السياسة الخارجية نظراً لاختلاف البلدين بشأن اندماج منطقة اليورو. وفى حال بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبى سيطلب كاميرون، كما قال، مزيداً من التعديلات المتعلقة بحرية التنقل، بالإضافة إلى المسائل التي تم التفاوض بشأنها وأقرت في فبراير الماضى. وبينما أكد كاميرون نفسه أنه لن يستقيل إذا صوت البريطانيون على البقاء، يرى محللون أنه لن يستقيل رغم الدعوات المطالبة بذلك، لأنه القيادى الأمثل على خوض المفاوضات «الصعبة» مع بروكسل لتحديد إجراءات ومسارات خروج بريطانيا من الاتحاد، إلا أنه قد يجد نفسه مضطراً إلى تقديم الاستقالة، بما يمهد الطريق أمام زعيم معسكر الخروج بوريس جونسون لخلافته.