كان ياما كان، في سالف العصر والأوان، في مدينة ما في زمن ما، ولدت طفلة جميلة، مختلفة عن كل البنات، بعد ولادتها حملتها القابلة لوالدتها، ما أن شاهدتها هذه الأخيرة حتى صرخت وقالت بفرح: سبحان الله، وحينما شاهدها والدها: صرخ وقال بفرح: سبحان الله، كل من شاهدها صرخ وقال بفرح: سبحان الله، المولودة الصغيرة كان شعرها احمرناعم يصل إلى نصف ظهرها، لم يشاهد أحد مولودا له مثل هذا الشعر الجميل الطويل ....ضحكت الأم ببهجة وقالت :ماشاء الله شعرها يمكن تضفيره، سأسميها «جديلة» . مقالات متعلقة * حديث الثلاثاء ..... زمن التفاهة * حديث الثلاثاء .....عشق الكاميليا * حديث الثلاثاء ...قطرة الفيض كانت «جديلة» وحيدة والديها، تفننت الأم في رعاية شعرها الذي كان ينمو بصورة مذهلة، حينما بلغت الثالثة من عمرها كان يصل للأرض، ناعما كثيفا لامعا، كل من رآها كان يصرخ بفرح: سبحان الله. أصبحت «جديلة» حديث الناس في المدينة ،كانت النساء جميعا يتمنين أن يكون لبناتهن مثل شعر «جديلة» كان يطلبن من والدتها شراء جزء من شعر«جديلة»ليصنعن منه شعر مستعار لبناتهن، الأم كانت ترفض بيع شعر أبنتها الوحيدة وردها كان حاضرا: كيف أبيع عطية الله ...شعر جديلة جزء منها لايمكن أن أتاجر به. كان شعر «جديلة»يحتاج لعناية خاصة، تقضى الأم ساعات في غسيله وتجفيف وتسريحه وتضفيره، الجدائل طالت وطالت، لم يعد بأمكان الطفلة اللعب مع اقرانها، الجميع يتعثر بجدائلها حتى هي، في المدرسة كان يدبرون لضفيرتها مكانا لتجلس بجوارها بعد أن وصل طولها لمترين وأكثر، كانت تحمل حقيبتها المدرسية على ظهرها وضفيرتها تلفها على ساعدها. الفرحة تتبدد ليطل العبء من عباءتها، وماذا بعد ؟؟؟كانت «جديلة» ووالديها يسكنون في الدور الثالث، كانت أحيانا تجلس حزينة في شرفة حجرتها، ضفيرتها كشجرة لبلاب عملاقة تصل إلى الأرض، شعرها جميل ناعم كثيف ولامع مثل الدمعة التي كانت تسقط على خدها بين حين وآخر . طلبت من امها يوما أن تهدى أجزاء من شعرها لنساء المدينة ،قالت لها :«لا اريد ان احتفظ بهذه الأمتار كلها، سأحتفظ بما يكفينى وليشاركنى الآخرين شعرى»، ردت الأم بحسم: لن نبيع منحة الله، ولكن حان الوقت لنستفيد من ثمارها، طالت ضفيرتك بما يكفى لتصبح أسطورة، العالم كله سيأتى ليشاهدك، سيتحول بيتنا الصغير لمزار سياحى، تحدثت مع حاكم المدينة، سيضع صورتك وعنوان منزلنا على ملصقات المدينة الدعائية وما تنشره من كتيبات سياحية، وسنقتسم الدخل بيننا، ستقدمين خدمة جليلة لمدينتك ولوالديكِ الآف كل عام يأتون لمشاهدة «جديلة» كانت تجلس على مقعد ضخم تبدو فيه ضئيلة وكأنها دمية صغيرة ،ترقد ضفيرتها تحت قدميها وتتثاءب بملل، السائحون يلمسون شعرها بلا استئذان أو خجل، بعضهم كان يجذبه ليتأكد أنه حقيقى، وبعضهم في غفلة منها كان يقص خصلة ليحتفظ بها كتذكار، كانت تجلس ساعات طويلة كل يوم كتمثال من الجص، كلوحة زيتية معلقة على جدار متحف بالمدينة، كقلادة ذهبى في فاترينة صائغ . تحولت «جديلة» لمصدر دخل لأسرتها ومزار سياحى للمدينة، «فرجة» يدفع السائحون تذكرة لمشاهدتها ..غريبة من غرائب الدنيا وعجيبة من عجائبها.. الضفيرة تزداد كثافة و«جديلة» تزداد نحافة، الضفيرة تزداد لمعة و«جديلة» تنطفأ بهجتها، الضفيرة تتمدد و«جديلة» ينحصرعنها الصحبة، الضفيرة تنتصر و«جديلة» تنهزم . كم مضى من زمن حتى جاءت النهاية ... لا أحد يرتدى ساعة في الحواديت ....زمن الحواديت مثل الأحلام طويل في الواقع قصير في الحقيقة . صباح يوم ككل الأيام التي مضت في الحدوته، دخلت الأم السعيدة بما امتلكته لتيقظ «جديلة»، الزائرين على وشك الحضور والفتاة تأخرت في النوم ،فتحت باب الحجرة وهالها ما رأت، صرخت لم تكن صرخة فرح ولم تقل سبحان الله ،لكنها قالت: اغيثونى «جديلة» شنقت نفسها بضفيرتها. [email protected] اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة