اللى يقولوه يعيدوه، واللى يعيدوه يزيدوه، واللى يزيدوه يلحنوه، واللى يلحنوه يغنوه، وهات يا رقص.. دقيقة واحدة أتحزم وأجيلكم، هو فيه إيه..؟ عاشت مصر فى ظل استبداد وطغيان سياسى طويل، ولأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة «الذين طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد...» فكان الفساد السياسى نتيجة حتمية، ومن المعلوم أن الفساد السياسى هو الإطار الحاضن لكل أنواع الفساد، منها الفساد الاقتصادى والاجتماعى والأخلاقى والقيمى والقانونى، وأنواع لا تخطر على بال، كلها انتشرت فى المجتمع المصرى، بأفراده وهيئاته. ومع انعدام قدرة مؤسسات مثل: البرلمان، والمنظمات المدنية والحقوقية، والأحزاب، والمؤسسات الدينية، بالإضافة إلى الإعلام، على التصدى للفساد السياسى وكشفه، لأسباب تتنوع بين الخوف، والضعف، والمصلحة، والتواطؤ فى كثير من الأحيان.. تعايش المجتمع مع جميع أنواع الفساد دون استهجان لمظاهرها التى تجلت فى الواسطة، والمحسوبية، والرشوة، واستغلال النفوذ والعلاقات، فى سبيل قضاء المصالح الخاصة، سواء كان تعييناً فى وظائف، أو الحصول على مزايا و«سبوبات» أو تزوير انتخابات أو تسريب امتحانات.. إلخ.. إلخ.. حتى الأموال المخصصة لعلاج الفقراء على نفقة الدولة لم تسلم من الاستغلال، وقامت ثورة 25 ينايرالتى بدأها الشباب، كسرت حاجز الخوف، وأسقطت النظام، وبدلاً من تقييم الأوضاع ووضع خطة للعلاج تحظى بقبول الرأى العام، انصرفنا كلنا لتشخيص الداء، مع أنه معروف ومعلوم للجميع، والمفارقة المدهشة أن كثيراً من الذين استفادوا منه والذين سكتوا عليه واستغلوه، هم الذين يجتهدون الآن فى عملية التشخيص.. على أى حال المهم الآن هو أن تقوم القوى السياسية بالاشتراك مع الحكومة فى وضع خطة واضحة للإصلاح السياسى، والاقتصادى والاجتماعى، تلقى قبول ورضاء الرأى العام، وتفسر له الأحاجى والألغاز، وتجيب عما يراوده من استفسارات، خطة تعتمد مسارات متوازية لاستئصال الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه، وفى الوقت نفسه تعيد بناء دولة المؤسسات. إن وضع خطة على هذا الأساس يستلزم التعرض لكثير من الأمور، والإجابة عن العديد من التساؤلات.. فعلى مسار الإصلاح السياسى – مثلاً – هناك أسئلة عديدة منها: هل الخريطة الحزبية الحالية قادرة على قيادة الحياة السياسية فى البلاد؟ كيف يمكن أن نخوض انتخابات برلمانية ورئاسية – تاريخية – من خلال القوى الحزبية الحالية؟ كيف تستطيع الأحزاب – سواء الموجودة أو التى سوف تنشأ بعد إلغاء لجنة الأحزاب – كسر حالة الاغتراب الحزبى لدى رجل الشارع فى فترة محدودة وقبل إجراء الانتخابات؟ هل سيتمكن الناخبون من استيعاب مقررات التعددية الحزبية من مبادئ وبرامج وأحزاب فى هذه الأثناء؟ وبصفة عامة، كيف تخرج مصر من معضلة إعادة بناء الخريطة الحزبية بحيث تكون معبرة عن رأى الشارع، واتجاهات الرأى العام، وفق إطار اجتماعى وسياسى جديد، يضمن التنافس الشريف، وحرية الرأى المسؤول، والتعبير الديمقراطى من خلال آليات قانونية وشعبية، أم أن الظروف تحتم الوصول إلى نوع من أنواع التوافق لحماية الدولة من السقوط؟ وإن كان كذلك فما المقترحات لبناء صيغة التوافق المطلوب؟ وهل إعادة بناء الدولة سوف تتم من خلال تغيير الدستور وخلق منظومة قوانين تضمن تقوية المؤسسية فى حياتنا السياسية، والارتقاء بأداء المؤسسات الحاكمة لتحقيق منظومة الحكم الرشيد؟ ثم ما الفلسفة التى سيقوم عليها بناء الدستور الجديد؟ وما شكل الحكم الذى يرغب فيه الشعب: برلمانى، أم رئاسى، أم مختلط، مع تحديد اختصاصات الرئيس؟ وما دور الدولة – بعد 25 يناير – الذى سوف يحدده الدستور؟ وهل يقتصر دورها على رقابة الدولة والتنظيم أم أن الشعب يفضل منحها صلاحيات للتدخل فى الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع؟ ما الضمانات الدائمة – بخلاف الدستور - التى تكفل لنا إعادة إنتاج «الدولة المحترمة» المقاومة للفساد، والشفافة، المنفتحة على المواطنين، الخالية من الاستقطابات المرفوضة التى عانينا منها طويلاً، مثل الدولة فى مقابل المجتمع المدنى، ومثل الأمن فى مقابل الحريات، ومثل النخبة الحاكمة فى مقابل الأفراد، الدولة التى لا تنتهج المناورة كمبدأ بديل عن المكاشفة والإصلاح؟ هذه فقط أمثلة من الأسئلة المطروحة، وما أريد أن أقوله، إننا أمام تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، هى الأولى بالتصدى لها ومناقشتها، مناقشة مفيدة وبناءة من قبل القوى السياسية، والإعلام، والرأى العام، فى جو من الشفافية ودون فرض وصاية أو إقصاء للمواطنين بدلاً من موضوعات ما يطلبه المستمعون.