أمر السيد الرئيس بمنح العاملين جميعًا 10% دون حد أعلى، كان رئيس الوزراء يريدها 7% فحسب، ولعل وزير الجباية كان يريدها ضريبة وليست علاوة حتى يتوفر له مال يدارى به فشله وإفلاسه وسياسته الخاطئة. لا شك أن هذا إجراء يُشكر عليه الرئيس ولكنه- فى الوقت نفسه لن يؤدى إلى تحقيق ما أريد له، لأن التجربة أثبتت أنه ما إن تمنح الحكومة زيادة حتى يزيد التجار أسعارهم بنسبة تزيد على نسبة العلاوة، وتكون النتيجة أن يشقى بالعلاوة أصحابها، ويسعد بها التجار وأصحاب الأعمال والرأسماليون، بل إن الرأسماليين قد بدأوا فى الزيادة قبل صرف الحكومة للعلاوة. العلاوة هنا وضعت فى جيوب التجار أصحاب الأعمال. وفى الخمسينيات، عندما دخلت الحركة النقابية، كنت أطالب بأن يكون أجر العامل مائة جنيه وكان يأخذ وقتئذ ما بين 7 و12 جنيهاً، واليوم لو أصبح أجر العامل مائة لمات جوعًا، وتردد إحصائيات مكتب العمل أن الحد الأدنى للأجور الآن يجب أن يكون 1200 جنيه. قد يقال.. لتضبط الحكومة الأسعار. وهذا خيال من الناحية العملية، وهرطقة فى شرعة الرأسمالية الحاكمة. فمن الناحية العملية لن تستطيع الحكومة أن توقف مندوبًا عند كل محل وكل بقال وكل تاجر، ثم هى لا تأمن أن «يُرشى» هذا المندوب بمبلغ يسير ليترك التاجر يأخذ الكثير. ومن الناحية النظرية فإن من المحرمات المبدئية الأساسية فى الرأسمالية عدم تدخل الحكومة فى السياسة الاقتصادية؛ لأنها تفسدها وتخل بقوانين السوق وعلاقات العرض والطلب المقدسة، ولأنها ستثير أصحاب الاستثمارات الذين سيسحبون استثماراتهم فيخرب البلد!! ومن المحتمل أن تكون الحكومة قد لجأت إلى العلاوة لأنها عجزت فى قضية الدعم، أى دعم الفقراء فى مواجهة التهاب الأسعار، فكل محاولة لدعم الفقراء تسلك بطريقة أو أخرى إلى جيوب التجار والرأسماليين دون جيوب المحتاجين والفقراء. وهكذا فشلت كل محاولات «الدعم». كما لا يجوز أن ننسى أن خير العلاوة سيعم العاملين جميعًا ولن يقتصر على المحتاجين وسيسعد بها كبار المستشارين والمديرين الذين يأخذون مهايا بالألوف، وستأتى هذه الزيادات على حساب الدولة ومن حساب ما كان يمكن أن يخصص للفقراء. فهل ليس هناك طريقة لحل هذا اللغز المستعصى؟؟!! هناك بالفعل، ومورست فى الدول الأوروبية وكانت هى التى حالت دون تفاقم الأسعار، وهذه الطريقة لا تحتاج إلى تشريع، ولا تحتاج إلى جهاز ضخم للمراقبة، إنها تعمل من تلقاء نفسها. وكان الذى توصل إلى هذه الطريقة هو الحركة النقابية البريطانية أولاً ثم بقية الحركات فى أوروبا وأمريكا. تلك الطريقة هى ربط الأجور بالأسعار. ففى أعلى درجة من الرأسمالية لا تتدخل الدولة لتحديد الأجور، فالأجور تسوى ما بين النقابات واتحاد أصحاب الأعمال بفضل ما يسمونه «المفاوضات الجماعية»، فممثلو العمال يجلسون مع ممثلى أصحاب الأعمال وعلى مائدة واحدة للاتفاق على تحديد الأجور. وفى بعض الحالات يطلق عليها «المساومة الجماعية» Collective Barrgain؛ لأن العمال يطلبون «مائة» مثلاً وأصحاب الأعمال «خمسين» وعندئذ ينزل العمال فيقولون «ثمانين» ويرفع أصحاب الأعمال تقديرهم إلى «ستين»، وينتهى الأمر عند سبعين، وعادة ما يكون هو ا لذى يكفل بالفعل حياة إنسانية للعامل يشبع بها حاجاته التى لابد منها، وفى الوقت نفسه لا تحيف على أصحاب الأعمال الذين يكون عليهم أن يقنعوا بربح سبعين مليوناً بدلاً من مائة مليون. وعندما تتم المساومة، أو التسوية، أو المفاوضة يوقع الطرفان اتفاقية بذلك، تلزم الطرفين بما يُسمى «اتفاقية جماعية» Collective Agreement. ولكن لما كانت شهية الرأسمالية للربح لا تشبع، فإنها عمدت إلى حيلة ذكية تخلصها من الاتفاق، بل تزيد من أرباحها، تلك هى أن يزيدوا الأسعار ليعوضوا زيادة الأجور، وفى العادة تكون زيادة الأسعار أكبر من زيادة الأجور؛ لأن الأسعار تصعد بالأسانسير، ولكن الأجور تصعد بالسلالم، وفى هذه الحالة فإنهم سينتفعون وسيكسبون.. ولا يخسرون. وأسقط فى أيدى العمال إذ وجدوا أنهم كمستهلكين ينفقون أكثر ما كسبوه من أجر للرأسماليين الذين يستحوذون على الإنتاج، ولكنهم تعلموا الدرس فأصروا على أن تتضمن الاتفاقيات الجماعية بندًا يطلق عليه بند «الكفة المتأرجحة» sliding Scale ينص على أنه إذا زادت أسعار الحاجات الأساسية كالزبد، والفحم، واللحم.. الخ «أو كما يكون عندنا الفول والعدس والخبز.. الخ» بنسبة تزيد على 3% مثلاً، فإن الأجور تزيد بالنسبة نفسها، ولدى اتحاد العمال جهاز بقياس نسبة زيادة الأسعار، كما أن لدى أصحاب الأعمال الجهاز نفسه، وهكذا فإنهم سيضطرون إلى زيادة الأجور بنفس النسبة، وحاول أصحاب الأعمال أن يتملصوا، إلا أن العمال أصروا فقبل أصحاب الأعمال فى النهاية. بهذه الطريقة حُلت القضية فى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وبقية الدول الأوروبية، كما حُلت فى أمريكا حصن الرأسمالية العتيد. لقد أمضى عمال بريطانيا مائة سنة تقريبًا حتى أحكموا طريقة المفاوضة الجماعية، وأرغموا الرأسماليين عن طريق إضرابات عامة منظمة على القبول بها. صحيح أن الحركة النقابية المصرية قد هزلت حتى سامها كل مفلس، ولم تعد تملك من أمر نفسها شاناً، فضلاً عن أنها ربما لم تسمع عن المفاوضة الجماعية والاتفاقيات الجماعية؛ لأنه حيل بينها وبين العمل من سنة 1952م حتى الآن، ولأن الحكومة ظنت أنها بما سمته مكاسب العمال فى عهد عبدالناصر قد حلت المشكلة.. وهيهات. لا تستطيع الحركة النقابية التى شل الحزب الحاكم عملها أن تقوم بهذا، فإذا أريد لها أن تقوم به لكى تقدم الحل الذى تعجز عنه الحكومة، وبهذا تخلصها من هذه المشكلة العويصة، فعليها أن تقوم بمساعدة الحركة النقابية بإطلاق سراحها من قيود القانون، ومن التبعية للنظام، وأن تقدم مختلف المعونات والإجراءات اللازمة بما فى ذلك تعديل قانون العمل، مهما كان ذلك صعبًا، وأن تقلع عن مساندة أصحاب الأعمال، كما هو المخطط المقرر والمتبع لها. إن ذلك كله يهون أمام حقيقة أنه الحل الحاسم والدائم لمشكلة الدعم التى تجعل الحكومة تدفع مئات الملايين دون جدوى، لأنه يحمل زيادات الأجور على من يجب عليه أن يحملها ومن يدير ويملك الإنتاج وهم أصحاب الأعمال. ومعروف بالطبع أن ما نقترحه هنا لن يقبله أصحاب الأعمال بسهولة وسيؤكدون أنه الإفلاس، وتلك شنشنة نعرفها من أخزم، ، فقد كان الرأسماليون يشغلون العمال 13 ساعة، ولما طالب «روبرت أوين» بأن تكون ساعات العمل عشر ساعات أكدوا أن ذلك يعنى الإفلاس، ولكن أصحاب الأعمال يكسبون عندما تكون ساعات العمل ثمانى ساعات أو أقل، ولكنهم يريدون البلايين بعد الملايين، ولا يملأ عينهم إلا التراب، ويجب على الحكومة ألا تسمع لدعاواهم وأن تمنح النقابات الحرية الكاملة فى إقامة الإضراب الذى هو جزء من حرية العمل التى يتمسك بها أصحاب الأعمال، فلا يمكن أن تكون لهم الحرية فى الظلم وأن يمنع العمال من حرية محاولة رفع هذا الظلم. ختام الكلام أحسن الشعب عندما أعلن رأيه فى نواب يتقاضون أموالهم من عرقه ويطالبون بضربه بالرصاص، ويجب ألا يتوقف هذا الاحتجاج والتظاهر حتى يحاكم هؤلاء النواب المحاكمة العادلة؛ لأن السكوت عليه يعنى قبوله. [email protected] [email protected]